يجري وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف زيارة مفاجئة الى العراق، حيث وصل، صباح يوم الاثنين (6 شباط 2023)، الى العاصمة بغداد والتقى نظيره فؤاد حسين عقبها سلسلة لقاءات مع رئيسي الوزراء محمد شياع السوداني ومجلس النواب محمد الحلبوسي لبحث التعاون الثنائي بين البلدين.
ولم تتضح معالم الزيارة واهدافها الرئيسية سوى مناقشة التعاون والشراكة في العلاقات العراقية الروسية، لكنها تأتي في وقت يشهد العراق ازمة ارتفاع سعر صرف الدولار بسبب العقوبات الامريكية على عدد من المصارف العراقية، تلك القضية التي تتحرك الحكومة لحلها مع الادارة الامريكية خلال الايام القليلة المقبلة.
وفي الوقت نفسه، تبحث روسيا المنشغلة في الحرب ضد اوكرانيا الى جمع المزيد من الحلفاء الى جانبها ولعل ابرز الحلفاء الذين ترنو عين روسيا عليهم هو العراق لما يمتلكه من امكانيات ومميزات جغرافية في منطقة الشرق الاوسط في محاولة قد تكون اهدافها تقليص النفوذ الامريكي في المنطقة وتفكيك قوتها التي تستند عليها الولايات المتحدة وتواجه من خلالها الدب الروسي.

تعزيز الاستقرار وادامة الحوار

وخلال اللقاء الذي جمعهما، اكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ووزير الخارجية الروسي على دعم الاستقرار في العراق وادامة الحوار وتخفيف توترات المنطقة.
وبحسب بيان مكتب رئيس الوزراء، فإن السوداني اكد "حرص العراق على إدامة العلاقات مع الأصدقاء"، مبينا، أن" الحكومة تتحرك في مجال العلاقات الخارجية من منطلق المصالح المتبادلة والشراكات المستدامة".
بدوره اكد لافروف "حرص روسيا على أمن العراق واستقراره، والإشادة بجهود العراق في محاربة الإرهاب، ودوره الريادي في تخفيف التوترات بالمنطقة".
وفي لقاء اخر جمع زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي بلافروف، كان ملف الحرب الروسية الاوكرانية معرض حديثهما، حيث أشار المالكي، بحسب بيان، إلى "أهمية التمسك بقواعد القانون الدولي وتكثيف المساعي للتوصل إلى حلول سياسية ودبلوماسية عبر الحوار وبما يحفظ للدول والشعوب استقلالها وسيادتها والتعايش بينها"، مشيداً بـ" مواقف روسيا الداعمة للعراق في حربه ضد الإرهاب وجهوده لحماية أمنه وأراضيه".

هل تتسع مساحة المحاور؟

ومنذ سنوات، لم يفتك العراق من سياسة المحاور التي دخلها دون رغبته بسبب الصراع الدائر بين الولايات المتحدة وايران والتي امتد تأثيرها بشكل كبير على العراق وكان اخرها عقوبات امريكية على مصارف عراقية اتهمتها واشنطن بتمويل ايران من خلال تهريب العملة الصعبة اليها.
وحذر مراقبون من دخول العراق في رقعة جديدة من صراع المحاور بين روسيا والولايات المتحدة خاصة بعد الحرب الروسية الاوكرانية، والتي قد تجعل من العراق ساحة جديدة لتصفية الحسابات بين واشنطن وموسكو وحتى بكين الحليفة للقطب الروسي.
وجاءت زيارة وزير الخارجية الروسي لتترجم تلك التحذيرات من محاولة واشنطن استغلالها لتزيد من شروطها على الحكومة العراقية الجديدة التي تحاول انقاذ اقتصاد البلاد والعملة من الانهيار، خاصة بعد ان ذكّر لافروف واشنطن بسياستها في العراق بعد غزوه عام 2003.
وقد تخشى الولايات المتحدة تحول العراق الى الجانب الروسي في مجال التسليح والدعم العسكري في مكافحة الارهاب على غرار سوريا وبعض الدول الخليجية التي خرجت من عباءة الحلف مع واشنطن.

نقل التسليح الى روسيا

ويرى الخبير الاستراتيجي حيدر سلمان، ان زيارة وزير الخارجية الروسي قد تأتي ضمن مساع روسية لكسب العراق ليعود الى السابق كمورد للسلاح الروسي، فيما يشير الى صعوبة الخروج من التحالف الامريكي.
وبعد سحب قواتها العسكرية من العراق، عادت الولايات المتحدة مجددا من باب مكافحة الارهاب ابان احتلال تنظيم داعش الارهابي عدة مدن عراقية في عام 2014، لكن خبراء عسكريون كانوا يشيرون الى ان ما تقدمه واشنطن من دعم عسكري للعراق لا يكفي للقضاء على فلول التنظيم الارهابي بالاضافة الى كلفته المالية.
ويقول سلمان في حديثه لـ "المطلع"، ان "العراق اعتاد على التسليح الروسي منذ فترات طويلة لكن بعد العام 2003 تحول الى التسليح الامريكي وفق الظروف التي حصلت".
ويضيف ان "التسليح الامريكي كلف العراق مبالغ مالية كبيرة بالاضافة الى ان السلاح والمعدات العسكرية واللوجستية الامريكية يحتاج الى صيانة باكثر كلفة من الشراء كما ان واشنطن لا تسلم العراق معدات التسليح والذخائر بكمية تسد حاجته".
وتابع ان "العراق قد يحاول الخروج من العباءة الامريكية خاصة بعد المشاكل التي سببتها واشنطن نتيجة التلاعب بالدولار في العراق".
ولفت الى ان "هناك اسباب تمنع العراق من التحالف مع روسيا دون امريكا ومنها الوضع الداخلي المتخلخل ثانيا وضع الحكومات العراقية المتعاقبة والضعيفة امام الشارع العراقي".
كما بين ان "مصر استطاعت التوجه نحو روسيا وعقدت خلال الفترة القليلة الماضية من توقيع عقود استراتيجية مهمة مع روسيا وقد لا تهتم لرد الفعل الامريكي نتيجة استقرارها داخليا".

الغاز.. بديل الاقتصاد العراقي

بينما يرى مراقبون اخرون، ان روسيا قد تدعم العراق في مجال الطاقة ومساعدته في التخلص من الاقتصاد الريعي بالاعتماد على النفط والتنويع باستخدام الغاز.
وتعتبر روسيا من اكبر الدول الموردة للغاز في العالم، حيث بان تأثيرها عقب الحرب الاوروبية الاخيرة بعد ان قطعت موسكو الغاز عن دول اوروبية عدة لتقييد مواقفها من اوكرانيا ما اشعل ازمة في الطاقة بدول اوروبا التي تواجه شتاء بارد.
ويوضح الباحث في الشأن السياسي صلاح بوشي في تصريح لـ "ألمطلع"، ان "هناك توجهات من قبل روسيا لتعزيز التعاون مع العراق في مجال الغاز والنفط والطاقة خاصة وان روسيا لديها التأثير الكبير في سوق الغاز العالمية".
ولفت الى ان "روسيا ابدت استعدادها لدعم الطاقة في العراق في مجال الغاز وان يكون البديل الاقتصادي للعراق".
ووقعت الحكومة العراقية مؤخرا عقود استثمارية مع شركات فرنسية والمانية لتحسين واقع الطاقة وانهاء ابرز المشكلات التي يوجهها العراق منذ سنوات وهي ازمة الكهرباء التي تأثرت ايضا بالعقوبات الامريكية المفروضة على ايران.