بعد أسابيع من الحراك السياسي لتمرير مشروع قانون الموازنة والاتفاق على حصة إقليم كردستان منها، تأخذ العلاقة بين بغداد واربيل منحنى جديد من الخلاف بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا الخاص بإلغاء تحويل الأموال من الحكومة الاتحادية الى الإقليم التي اقرتها حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.
وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا، يوم الأربعاء (25 كانون الثاني 2022)، قرارا يقضي بإلغاء جميع القرارات الحكومية المتعلقة بتحويل الأموال إلى إقليم كردستان، حيث أوضحت المحكمة انها قررت "الحكم بعدم صحة القرارات الصادرة من قبل مجلس الوزراء في عامي 2021 و2022" بشأن تحويل الأموال لإقليم كردستان، مضيفة أن "الحكم بات وملزما للسلطات كافة".
قرار المحكمة الاتحادية أبطل ما قررته حكومة الكاظمي، حينما أرسلت عدّة دفعات مالية بصورة شهرية إلى الإقليم خلال عامي 2021 و2022، وذلك بغية دفع حكومة الإقليم رواتب موظفيها، على أن يتم اقتطاعها لاحقًا من أموال الموازنة المالية العامة للدولة".
وعلى وفق القرار الذي صدر من حكومة الكاظمي، مضت حكومة محمد شياع السوداني بذلك حيث أعلن السوداني بشهر كانون الأول الماضي، إرسال دفعة جديدة بقيمة 400 مليار دينار (نحو 234 مليون دولار أميركي) لحكومة الإقليم.

تصرف شخصي من الكاظمي

القرار الصادر من اعلى جهة قضائية في العراق، جاء على خلفية شكوى نيابية ضد ارسال الأموال من بغداد الى أربيل، قال المشتكي فيها وهو النائب مصطفى سند، ان "ارسال الأموال لم يكن وفق قرار من مجلس الوزراء".
وأوضح مصطفى سند في تصريح له، إن "القرار القضائي صدر بناءً على الدعوى التي أقمتها أمام المحكمة الاتحادية التي حكمت بعدم صحة 6 قرارات للحكومة السابقة بتحويل المبالغ للإقليم عام 2022، وهي قرارات مخالفة للنظام الداخلي والدستور وقانوني الموازنة العامة والإدارة المالية"، كما وصف القرار بـ "التاريخي".
وأشار الى ان "ورقة الاتفاق على ارسال الأموال من بغداد الى كردستان تحمل توقيع رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي فقط ولا يوجد أي طرف ثاني"، مبينا ان "القرار لم يصدر من مجلس الوزراء وانما بتصرف شخصي من الكاظمي".

محكمة الثورة الاتحادية

ومثل ما كان متوقعا، واجهت المحكمة الاتحادية سيلا من التهم بسبب قرارها الأخير، بعد ان فتح زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني النار بتشبيه المحكمة الاتحادية بـ "محكمة الثورة" التي شُكلت ابان النظام السابق، كما وصف القرار بـ "السياسي".
وقال بارزاني في بيان أن "تأمين جزء من المستحقات المالية لإقليم كردستان باعتبارها حقا مشروعا يعد جزءا من الاتفاق السياسي الذي أدى لتشكيل الحكومة الحالية"، موضحا أن "قرار المحكمة الاتحادية، وقبل أن يكون ضد إقليم كردستان، فهو ضد العملية السياسية وضد الحكومة العراقية وضد برنامج ائتلاف إدارة الدولة".
ولفت في بيانه الى إن المحكمة الاتحادية "يبدو أنها تنفذ أجندة مشبوهة، وباتت تحل محل (محكمة الثورة) في عهد النظام السابق".

اتهامات متكررة

وليست المرة الأولى التي تصف فيها قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني قرارات المحكمة الاتحادية بـ "السياسية"، حيث سبق لها وان اتهمت المحكمة بـ "معاداة الإقليم" بعد ان أصدرت المحكمة الاتحادية قرارا بإيقاف إجراءات ترشيح هوشيار زيباري لمنصب رئيس الجمهوري بسبب شبهات فساد بحقه.
وجاء القرار عشية الجلسة التي عقدها مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية حيث كان ينافس برهم صالح من الاتحاد الوطني الكردستاني مقابل ريبر احمد عن الحزب الديمقراطي ليتم سحب ترشيح الأخير وانتخاب عبد اللطيف رشيد رئيسا للجمهورية.
وقد وصف زيباري -في مؤتمر صحفي ببغداد- قرار المحكمة الاتحادية بإلغاء ترشحه آنذاك بأنه قرار مبيت ومسيس وظالم ومتعسف، وفق تعبيره.

لعبة سياسية

الى جانب الاتهامات التي وجهها للمحكمة الاتحادية، يشير الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى وجود "لعبة سياسية" وراء صدور القرار القضائي الاخير. 
ويقول القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني وفاء كريم، في حديثه لـ "المطلع"، ان "هناك لعبة سياسية ضد إقليم كردستان تستخدم من خلال القضاء". 
ويضيف كريم ان "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني اصدر قبل شهر ونصف امرا لوزيرة المالية بارسال 400 مليار دينار الى الإقليم كحصة شهرين"، مبينا ان "وزيرة المالية لم تنفذ هذا الامر بحجج واعذار متعددة". 
وبين ان "اللاعبين في تلك اللعبة هم وزيرة المالية ونائب في البرلمان ونحن نبحث عن الجهة السياسية التي تقف وراء صدور مثل هكذا قرار". 
وبشأن علاقة الحكومة الحالية باقليم كردستان، يؤكد كريم ان "هناك اشارت إيجابية من السوداني تجاه إقليم كردستان خاصة في اشراكه وفدا من الإقليم بكتابة قانون الموازنة وأيضا توجيهه بإرسال المبالغ المالية الى إقليم كردستان".

حل الخلافات لا يتجاوز الدستور

من جانب اخر، يؤكد الاطار التنسيقي على ضرورة احترام القرارات الصادرة عن أعلى سلطة قضائية في البلاد، موضحا ان الخلافات بين القوى السياسية لا يجب ان تكون فوق الدستور. 
ويبين عضو الاطار التنسيقي عماد المسافر، انه "كان هناك اتفاق قبل تشكيل حكومة السوداني داخل ائتلاف إدارة الدولة على حل الخلافات بين القوى السياسية تحت سقف الدستور". 
ويتابع في حديثه لـ "المطلع"، ان "قرار المحكمة الاتحادية بشأن الأموال المرسلة الى إقليم كردستان قرار دستوري ومن الطبيعي ان يواجه باعتراضات". 
واردف المسافر ان "الاطار التنسيقي سبق وان واجه رد شكاوى له وطعون امام المحكمة الاتحادية لكنه لم يخرج بتصريحات واحاديث تشكك بعمل المحكمة وقانونيتها لان القضاء هو الفيصل بحل الخلافات والاشكاليات". 
واشار الى انه "اذا كانت الوعود المقدمة من الحكومة لإقليم كردستان خارج مسار الدستور فلا يمكن ان تلتزم بتنفيذها".