علي وجيه يكتب: الذينَ فاتهم درسُ تشرين
الكاتب: علي وجيه
انتهت احتجاجات تشرين، وتحوّلت، مثل كل شيء آخر، إلى حدثٍ تاريخيّ يعودون له بالمراجعة، مدحاً وقدحاً، لكنّ أهمّ مسألتين تمّ استخلاصها من هذا الاحتجاج، الذي يحملُ أوجهاً لا انتهاء لها، للوقوف معه أو ضدّه، لم تتم معالجتهما كما يجب.
الدرسُ الأول الذي كان يجب أن تتعلّمه الطبقة السياسيّة وشركاؤها، والحكومة التي استقالت (أُقيلت بطريقةٍ غير مباشرة) والحكومة التي تلتْها، وشركاؤها، وممثّلو المجتمع الدولي هو: عدم القمع، ومحاسبة قتلة المتظاهرين، وعلى ما كان يبدو من خيارٍ أساسيّ هذا، تحدث به الكاظمي وحتى معارضو الكاظمي، إلاّ أن عدد المُحاكَمين بهذا الملف لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، بمقابل نحو ٨٠٠ ضحيّة بين استهدافٍ مباشر وغير مباشر في ساحات الاحتجاج.
عادت الحشود إلى بيوتها بقلوبٍ مكسورة وانتكاسة عدم تحقيق أيّ شيء، وهذا قصمَ فكرة الثقة بالنظام السياسيّ أو ما تبقى منها، حتى صارت الانتخابات لعبة الجماهير الحزبية، الأقليّة القليلة جداً بالنسبة والتناسب بين عدد سكّان العراق.
لو أن النظام السياسيّ قدّم أكباش فداء، المجرمين الذين استخدموا الرصاص الحيّ، والدخانيات بطريقة الرمي المباشر، وأصحاب الرصاص المطّاطي الذي تحوّل إلى "أكسباير" بطريقة فاسدة وتحوّل إلى رصاصٍ فعليّ، ربّما كان ليثق المحتجّون، والواقفون معهم، ومساندوهم، بشيء من النظام السياسيّ، لكنه استخسرَ أن يحاسبَ قاتلاً، وظلّ يعدُ المقتولَ بالثار، دون أن يتنفّذ.
المسألة الثانية التي لم تُعالج، هي أن يكون هناك بديل سياسيّ فعليّ يخرجُ من ساحات الاحتجاج، وعلى ما يبدو من "النصر" الجزئيّ الذي تمثّل بمجموعة نوّاب من أحزاب جديدة، لكن هذه الأحزاب بالغالب مارست ذات اللعبة، ودخلت بطريقةٍ تشبه أنساق الأحزاب الأقدم، وهي أيضاً خسرت جزءاً أساسياً من جمهورها، وما دخلَ الانتخابات والبرلمان من أحزاب وشخصيّات، هي ثلّة قليلة، تمّ تمزيقها وإعدامها رمزياً من قبل عدد من أحزابٍ أخرى، بل وشخصيات أحيانا تُحسب على الاحتجاج لإسقاط فكرة مفادها: نزول المدنيين [التشرينيين] بقائمة واحدة.
الطبقة السياسية الحالية حين تفكّر لا يدورُ بفكرها سوى مفردة "المؤامرة"، وتتصرف على هذا الأساس، وفي وضعٍ عراقيّ هش لا شك أنّ هناك لعباً سياسياً ومخابراتياً في كلّ ظاهرة، بما فيها الاحتجاج، لكن المؤامرة، أو الضغط ليس كل شيء، فكلّ منزل يُشوى سكّانه بالحرّ البصريّ، وكلّ بيت في ذي قار مليء بالعاطلين عن العمل، وكذا الحال في كل المحافظات هو احتجاج مستمر، ينتظر الصيحة ليخرجَ فاتحاً صدره للرصاص ضدّ الـ"كلهم حرامية"، كما تصرخ الحناجر في كلّ احتجاج.
الطبقة السياسية تفوتها الدروس باستمرار، حالياً يتشكّل جل المجتمع من أبناء الذين كانوا مستعدين للخروج للانتخابات والاقتراع في زمنٍ كان الانتحاريون يتربّصون بالمراكز الانتخابية، لكن هذا الجيل الجديد غير مستعد للثقة بمقدار سنتمتر، بذات الأحزاب التي جاءت وتم انتخابها بأغلبية شيعية بعد ٢٠٠٣، وشركائها من السنة والكرد.
أجيال جديدة، وهبتكم الدرس المجّاني، وبدلاً عن احتوائهم تمّ قمعهم، لا عليكم بـ"النخب" التي تكتبُ بالسوشيال ميديا، عليكم أن تخافوا من الصامتين، الغاضبين، المشتركين مجاميع بأركَيلة واحدة في مقاهي العاطلين عن العمل، الذين تشابهت أيّامهم المرّة، وهؤلاء لن يقنعهم شيء بالاحتجاج المقبل، مذبحتهم الشخصية التي لم يُحاسب بها قاتل واحد، ولم يتصدّر ممثّل سياسيّ فعليّ يثقون به، ما خلا بعض الأسماء القليلة التي تكفّل سوء الظنّ بهم بثلمِ صورتهم هم أيضاً!
الدرس كان مجانياً، لكنّ مَن لا يستثمر الدرس المجّاني، سيجدُ مَن ينغّص عليه وجوده السياسيّ، كما نرى ما يحدث الآن بين التيّار والإطار، ومَن يتوقّع أن ما تبقى من الاحتجاج هو العشرات القليلة الذين ظهروا في "الفردوس" يوم أمس، فهو ما زال لا يتعلّم الدرس، ومصرّ على عدم تعلّمه!