علي وجيه يكتب: عن النظام السياسيّ الذي لن يسقط
الكاتب: علي وجيه
شاهدتُ، مثل غيري، حواراً للسياسيّ العراقيّ المخضرم فائق الشيخ علي، على قناة دجلة مع سحر عبّاس جميل، وكانت الساعة هذه، كما تعرفون، ذات خلاصة واحدة: النظام الحالي، ورموزه، وأحزابه، ستسقط من قبل قوّة عظمى، في ٢٠٢٤، كأبعد تقدير.
وعلى الرغم من أنّ الشيخ علي أستاذ، في السياسة والقانون والتاريخ السياسي العراقيّ، لكنني شعرتُ بالأسى الخفيف، في أن تختلط لدى أبي أروى التمنّيات والمعلومة والتحليل، وهذا يُمكن أن يطرأ علينا جميعاً، لكنني أستبعده لدى الشيخ علي.
النظامُ السياسيّ الحالي، لا يسقط، ربّما يتمظهر، تحت متغيّرات عديدة، الشيخوخة مثلاً، واتجاهات المجتمع، لكن نسفه وبدءه من الصفر، يحتاج إلى أن يكون نظاماً سياسياً مارقاً، و"المارق" هنا ما يشكّل تهديداً، على جيرانه، أو التوازنات الدولية، أو حركة بيع النفط حتى، وقد يمرّ بذلك أنظمة عديدة، دون أن يسقطها أحد، مثل تأخّر إسقاط صدّام حسين من ١٩٩٠ حتى ٢٠٠٣، أو عدم استطاعة أنظمة عديدة إسقاط نظام الأسد، الذي لا يختلفُ كثيراً عن نسخته البعثية العراقيّة.
هذا النظامُ السياسي، المسمّى كذباً وبهتاناً بـ"الديمقراطي" هو جوهرة الأنظمة السياسية التي تفضّلها الدول الكبرى أولاً، والمحيطة ثانية، ثمّة نظام شبيهٌ ببنت ليل، لا تردّ يدَ لامس ولا لسان لاحس، ولها في كلّ ملفّ مَن يُستأجرون، ويمثّلون، ويصعّدون ويخفّفون، وشعب مسكين يحاول التأقلم مع المصيبة، لا حلّها.
هل ستفرح الكويت بتغيير نظام يجعلها أذرعها البحرية تتنفس بحرية، إلى نظام يُمكن أن يخنقها بهذا الملف؟ هل ستفرح تركيا بمصانع عراقيّة تنتج ما يُستورد من هناك؟ هل ستفرح سوريا بنظام يفضّل عدم زجّ نفسه بالمستنقع الروسي – الأمريكي الدائر هناك في السنوات السابقة؟ هل ستفضّل الأردن نموّاً صحياً يجعل سياحتها الطبية تتراجع؟
هل ستفضّل إيران ذلك؟ تلك التي قذفَ العرب العراقَ إلى بين قدميها، لقمة سائغة، وبعداً ستراتيجياً، وحرباً بالنيابة، وسوقاً للاستيراد؟ هل ستفضّل السعودية ذلك؟!!
الدكاكينُ المسمّاة بـ"الأحزاب"، بغالبيّتها العظمى، هي أشبه بسيّارات تؤجّر، لهذا الملف أو ذاك، لن تجد ملفّاً "كرستة وعمل" كما يفعله هؤلاء، فمَن سينزعج منهم؟ ومن أجل مَن؟ الشعب؟!
المجزرة التي حدثت في تشرين، لم تسقط شرعية النظام دولياً، لكن دم رجل واحد، جمال خاشقجي، جعل الولايات المتحدة تضغط على المملكة العربية السعودية، كما أن ١٧٠٠ في سبايكر، أو ٢٠٠٠ في الخسفة (الموصل) يمرّون خفافاً على عيون المجتمع الدولي، كما أنّ حياة العراقيين الحالية كلّها لا قيمة لها دولياً، فالدول التي تُنشئ مشاريعها الكهربائية، في الكويت بعد الاحتلال، أو مصر الآن، في أشهر قليلة، تُبقي العراقيين وهم يتعرّضون للقلي والشيّ صيفاً، بل والعطش (كما في معادلة تركيا وإيران) دون أن ينتبه أحد.
قد يشيخُ فلان، لأنه وصل السبعين، أو تتراجع أهميّة فلان، وعلاّن، لكن النظام المتخادم هذا مع الجميع لن يسقط أبا أروى، لأنه يقدّم للجميع ما يريدون عدا ما يقدّمه للعراقيين، وهو نظام "ديمقراطي تعددي وفيه تمثيل" كما يُقال، كما تبدو شاهدة القبر ملوّنة، لكن الكارثة الكبرى هي ما تحتها.
كان هناك نظام ديكاتوريّ واحد في ٢٠٠٢، ينتهي بـ ٥٥ مطلوباً، قصّة كلاسيكية، لكن النظام الحالي ليس نظاماً ليتم إسقاطه، دون أيّة ضرورة لمحاولة إسقاطه.
آسف، أبا أروى!