المطلع
عاجل

post-image

إرث عشرون عاما... مراكز البحث الأمريكية تعلن واشنطن مسؤولة عن "تدمير" الديمقراطية العراقية


22:49 خاص بـ "المطلع"
2023-04-09
1605
عشرون عاما، مئات الالاف من الضحايا، ملايين من المشردين والمهجرين، ونظام سياسي يسيطر عليه الفساد والسلاح، هذا ما تطلبه الامر حتى تعترف أخيرا مراكز التحليل والتفكير الامريكية التي قادت حملات الدعاية والاعلام نحو حرب العراق عام 2003، بخطاها أخيرا، لتقول الان مع حلول الذكرى السنوية لعقدين، ان الديمقراطية العراقية التي ضحى الشعب العراقي مرغما عليها، لم تكن سوى "أكذوبة".

هذا ما صدر عن مراكز التحليل الامريكية مثل كاثام هاوس، معهد بروكينز، ووسائل الاعلام الامريكية مثل ام اس ان بي سي والنيويورك تايمز وغيرها، لتمثل الان اعترافا "متاخرا" بحسب وصفها بــ "الخطايا" الامريكية في العراق، والعمل الحثيث التي قامت به الإدارات المتعاقبة لضمان "عدم قيام ديمقراطية حقيقية في البلاد التي ما تزال حتى اليوم توصف بغير الحرة"، بحسب معهد فريدوم هاوس الأمريكي، الذي يصنف ديمقراطيات العالم تبعا للمعايير الدولية.

الاعترافات الامريكية، التي تصدر للمرة الأولى منذ عشرين عاما مستمرة من الدعاية أحادية الجانب التي بررت الحرب ونتائجها، وقرارات الولايات المتحدة وحلفائها ما بعدها، رافقها أيضا كشف لمعلومات لم تعرف سابقا، حول الظروف والتحركات، التي خلقت "ارثا من الفساد الأمريكي" يسيطر على البلاد، وتعاني منه حتى اليوم، بحسب بروكينز.

ام اس ان بي سي الامريكية، أعلنت في تحليلها المطول حول ذكرى الغزو، ان كشف حقيقة الخطاب الامريكية المزيف حول العراق، والاعتراف بالاخطاء التي ارتكبت "لم يعد يكفي" للتكفير عن الذنب الأمريكي بحق ليس العراق فحسب، بل ربما العالم برمته، الذي تغير شكله كليا بعد القرارات الامريكية في العراق بحسب وصفها، لتشدد على ان "المحاسبة"، هي السبيل الأمثل الان لضمان "محاكمة التاريخ للارث الأمريكي في العراق وعملية القتل التي مارستها بشكل مستمر، ضد الديمقراطية الناشئة في العراق، لحساب مصالحها الخاصة والضيقة".

الذنب الأمريكي بحق العراق وشعبه، لم يبدا مع حلول عام 2003 وبداية العمليات العسكرية التي قادت الى اسقاط النظام الديكتاتوري السابق، بل كانت مرحلة فقط على طريق طويل بدا منذ تسعينات القرن الماضي، ولم يتوقف حتى اليوم، بحسب الشبكة، التي اسردت وصفها لــ "الخطايا" الامريكية في العراق وبحقه، والتي اعلنها معهد بروكينز، الأساس لما وصفه بــ "ارث الفساد الامريكية في العراق" الذي وضع العراق على الطريق الذي هو عليه اليوم، ويجد نفسه خلاله، من بين اكثر بلدان العالم فسادا، عنفا وضعفا سياسيا.

 

الإرث الأمريكي "المنسي".. كيف بدا وازدهر  حاصدا حياة نصف مليون عراقي

رئيس الوزراء السابع للعراق بعد عام 2003، اعلن بحسب معهد بروكينز، ان الفساد الذي يسيطر على البلاد هو "التحدي الأكبر" الذي يواجهها ويمثل خطره "توازيا يضاهي خطر الإرهاب على استمرارها، امنها، ومستقبل شعبها"، تصريحات السوداني، بحسب المعهد، يتفق عليها 43 مليون عراقي، قد يغيب عن الكثير منهم، ما قال المعهد انه "الإرث الأمريكي الحقيقي في العراق".

ذلك الإرث، بحسب وصف بروكينز، هو ارث الفساد، الذي قال انه وعلى الرغم من كونه لم يبدا على ايدي أمريكية، بل كان نتاجا طبيعيا لسيطرة النظام السابق على البلاد ومقدراتها تحت سطوة دكتاتورية صدام، الا انه ازدهر وانتشر، عبر القرارات، الرغبة والتحركات الامريكية في البلاد، منذ تسعينات القرن الماضي، وحتى اليوم.

بداية الفساد المقاد أمريكيا في العراق انطلقت مع برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء الذي اطلقته الأمم المتحدة برعاية أمريكية خلال تسعينات القرن الماضي، والذي كشف المركز الأمريكي، عن انه كان مجرد "وسيلة" اتسغلت من "مسؤولين في الأمم المتحدة، مسؤولين أمريكيين، وبالتالي أيضا كنتيجة، مسؤولي نظام البعث السابق في العراق، للحصول على منافع حصدوها على حساب العراق وشعبه، وتركت اثرا ظهر من خلال أنماط فساد، سيطرت على البلاد حينها، واستمرت الى الان".

بعد عام 2003، وتدفق الأموال العراقية المحتجزة لدى الولايات المتحدة والمنظمات الدولية تحت برنامج "إعادة اعمار العراق سيء الصيت" دون حساب او متابعة، قادت الى خلق "تطرف جديد في الفساد" سيطر على البلاد، تلك الحقبة، شهدت خسارة العراق 220 مليار دولار امريكي من أمواله المحتجزة بين أعوام 2003 وحتى عام 2014، على مشاريع اعمار وهمية، ورشى، وتعاملات سياسية "سرية".

الأموال المسروقة من العراق خلال تلك الحقبة التي قام المركز بدراستها، لم تتوقف فقط عند الأموال العراقية المحتجزة، او تلك التي حصلت عليها الولايات المتحدة عبر برنامج إعادة الاعمار سيء الصيت، بل تضمنت أيضا الأموال من الجهات المانحة الدولية والتي وصلت بحسب اخر احصائيات المركز، الى نحو 74 مليار دولار امريكي، اختفت من المشاريع، وانتهى بها المطاف لدى جهات محلية ودولية من بينها أمريكية.

الحكومة الامريكية، تعمدت خلال تلك الحقبة وحتى تسلم السلطات العراقية مسؤولية إدارة ملفاتها بالكامل، عدم الاحتفاظ باي سجلات تدين الشخصيات، الشركات، المسؤولين والمتعاقدين الأمريكيين الذين "سرقوا" الأموال العراقية، وعلى الرغم من انتهاء تلك الحقبة، الا ان أنماط الفساد التي خلقتها في العراق، سيطرت على البلاد بشكل كامل، واستغلت من قبل الجهات السياسية داخل العراق لاحقا، للحصول على ذات المنافع التي "أتوا من اجلها"، بحسب وصفه.

النتيجة المباشرة لنمط الفساد الذي خلقته الولايات المتحدة في العراق ورماه في المرتبة الثالثة والعشرين كاكثر بلدان العالم فسادا، كانت افراغها بشكل كلي من الكفاءات والقادرين على ادارتها لصالح شخصيات مرتبطة بالاحزاب السياسية المتنفذة في البلاد تعمل على سحب موارد الدولة نحو الجهات التي تنتمي اليها، والتي قادت بشكل مباشر بحسب دراسة لمركز بلوس الدولي الى قتل نحو نصف مليون عراقي بين الأعوام 2003 وحتى 2011 كنتيجة مباشرة لتدمر قطاعات الرعاية الصحية، الامن، الخدمات وانتشار العنف المسلح داخل العراق.

بناء الديمقراطية العراقية مشروع "كاذب"

في اطار الكشف عن تفاصيل الهدم المتعمد من قبل الولايات المتحدة للديمقراطية العراقية الناشئة، كشف معهد كوثم هاوس على لسان كبار باحثيه ريناد منصور، عن حقيقة "بناء الديمقراطية العراقية"، معلنا، ان الولايات المتحدة كانت تعتمد في فترة الأشهر الأولى على إيجاد أسلحة الدمار الشامل في العراق لتبرير الحرب التي شنتها، وما نتج عنها.

تلك المساعي قوبلت بالفشل عقب عجز الإدارة الامريكية عن إيجاد أي أسلحة دمار شامل بحوزة النظام الديكتاتوري السابق، الامر الذي قاد بحسب وصفه الى "مساعي من واشنطن" لايجاد مبرر بديل تستطيع من خلاله تفسير تكلفة الحرب والغزو ليس امام شعبها فقط، بل المجتمع الدولي أيضا، وهنا، وبحسب وصفه، دخلت فكرة "بناء الديمقراطية العراقية" حيز التنفيذ.

منصور وصف المشروع بانه "سياسي بحت" ولا علاقة له بإقامة ديمقراطية حقيقية وفاعلة في البلاد، حيث عملت الإدارة الامريكية وبشكل "عاجل" على كتابة دستور لشعب لم تقابله، ولم تعرف عنه شيئا، واعتمدت بذلك على ما وصفها بــ "نخبة سياسية خارجية" كانت تعمل مع الولايات المتحدة على تسهيل اسقاط النظام الديكتاتوري السابق لــ "مصالح شخصية".

تلك النخبة، والتي كلفت من واشنطن بكتابة دستور بشكل "عاجل" وإقامة انتخابات بأسرع وقت ممكن لاقناع العالم بان الولايات المتحدة تعمل على الأرض لاقامة حكومة ديمقراطية في العراق، تمكنت خلال تلك الفترة من "كتابة دستور ونظام سياسي لشعب لم تقابله في حياتها"، مشيرا الى ان تلك النخبة السياسية، لم تكن على ارتباط بالشعب العراقي، ولم تعرف عنه شيئا تماما كالأمريكيين. 

تحت إدارة الحاكم المدني في العراق بول بريمر والذي لم يملك أي خبرة مسبقة في التعامل مع البلاد بسحب وصف المعهد، تم إقامة "نظام سياسي جديد" كان منقطعا عن الواقع العراقي الى درجة "الرمزية" بحسب منصور، الذي اكد، ان تلك النخبة وبالتعاون مع الأمريكيين خلقت "منطقة خضراء لها، فيما تركت البلاد برمتها، منطقة حمراء خطرة، لا يخرجون اليها، ولا يعرفون عنها شيئا".

المنفيون ممن كانوا يصفون انفسهم بالمعارضة السياسية، والمؤلفة من أحزاب سياسية مبنية على أسس اثنية، عرقية ودينية، تمكنوا من خلال الأمريكيين وبعد عودتهم الى العراق من بناء نظام سياسي "ينفعهم شخصيا ولا يأخذ بنظر الاعتبار مصلحة البلاد او شعبها"، بحسب منصور الذي وصف النظام بانه "ليس ديمقراطي ولكنه خداع وكذب بالديمقراطية بعيد في الواقع عن تطبيقها".

النخبة المذكورة، وعلى راسهم احمد الجلبي بحسب المعهد، عادت الى العراق من بريطانيا، سوريا ولبنان وايران، لتخلق في العراق نظاما خاصا بها، المعهد وصف أهدافهم بانها "اسقاط نظام صدام أولا، والاستفادة من النتيجة ليتحولوا الى شخصيات نافذة، ثانيا"، مشروع النخبة السياسية المنفية والإدارة الامريكية، تحقق، وترك اثره على البلاد، لكنه لم يكن السبب الوحيد الذي قاد الى النتائج الحالية بحسب المعهد، بل تعاضد مع أخرى مدفوعة بهذا الهدف، قادت الى "دمار العراق" بحسب وصفه.

 

الخطايا الامريكية الثلاث.. كيف عملت أمريكا على منع قيام نظام ديمقراطي في العراق

البلاد التي ما تزال حتى اليوم تعتبر "غير ديمقراطية" بجسب وصف المعهد ومركز فريدوم هاوس، بدات رحلتها مع النظام الفوضوي الجديد من خلال ما قال المعهد انها "ثلاث خطايا" ارتكبتها الولايات المتحدة في العراق وما تزال حتى اليوم، ترفض الاعتراف بتبعاتها سياسيا، وتتغاضى عن الحديث عنها، وسط جهل من المجتمع الدولي.

أولى تلك الخطايا بحسب وصف المعهد، كانت حل الجيش العراقي والقوات الأمنية بشكل عام على يد الإدارة الامريكية المؤقتة في العراق، والتي نجحت النخبة السياسية المنفية باقناعها بتنفيذه، موضحا "الحل لم يقتصر على قوات الجيش العراقي فقط، بل تعداه الى قوات الشرطة، وحتى حرس الحدود، تاركين البلاد ضعيفة، غير قادرة على حماية نفسها".

أسباب القرار الأمريكي بحل القوات الرسمية العراقية كان مدفوعا بحسب المركز، بمخاوف من النخبة السياسية المنفية التي عادت لحكم العراق واقامت المنطقة الخضراء لتحكم من خلالها بلادا لا تعلم عنها شيئا، وتنعزل عنها تماما، تلك المخاوف فسرها المركز على انها "قلق من النخبة السياسية المنفية من ان تقوم القوات العراقية الرسمية بعملية انقلاب عليها تفقدها خلالها السلطة في حال اكتشفت نسب الفساد الهائل الذي كانت تنوي ان تعمل على أساسه داخل البلاد".

القوى السياسية الجديدة التي سيطرت على العراق بالتعاون مع الولايات المتحدة "حرصت" بحسب وصف المركز على "خلق نظام تكون فيه قوات الجيش العراقي ضعيفة، الامر الذي كان سببا في انهيار القوات الأمنية امام بضعة الاف من الإرهابيين سيطروا على ثلث البلاد" في إشارة الى تنظيم داعش الإرهابي.

امتلاك تلك القوى السياسية لجهات مسلحة خاصة بها جعل من إبقاء الجيش العراقي ضعيفا امرا حيويا لاستمرار سيطرتها على البلاد بالتعاون مع الجانب الأمريكي الذي قال المعهد انه يرى باستمرار الأوضاع على ما هي عليه مصلحة كبيرة لواشنطن تمكنها من البقاء في العراق الى اجل غير مسمى، الامر الذي تطبقه حاليا.

المركز بين أيضا ان بداية العصر الجديد من الفساد في البلاد اعتمد على ضعف قوة المؤسسة الأمنية العراقية بإبقاء الدولة بعيدة عن احتكار العنف والسلاح، الذي وصفه المركز بانه العامل الأهم لتقوية الدولة ضد عوامل الفساد والتغلب عليه، حيث ما تزال الحكومة العراقية بصفتها الرسمية، غير قادرة فعليا على الوقوف بوجه عمالقة الفساد في العراق لضعفها العسكري ضد فصائلهم المسلحة، بحسب قول المركز.

اما الخطيئة الثانية التي كشف عنها كوثم هاوس، والتي تمكنت الولايات المتحدة من خلالها عرقلة إقامة ديمقراطية حقيقية في العراق بحسبه، كانت إقامة النظام السياسي الحالي المعروف بنظام "المحاصصة الطائفية"، موضحا "حين عادت القوى السياسية المنفية الى البلاد، اكتشفت انها لا تملك أي شرعية لتمثيل الشعب العراقي سياسيا، ومع "استعجال" الولايات المتحدة بإقامة نظام تصفه بــ "الديمقراطي"، اضطرت تلك القوى للجوء الى نظام المحاصصة كسبيل لتحقيق ذلك.

النظام الذي اقامته القوى السياسية المنفية العائدة الى العراق بحسب المركز، مكنها من ان تدعي تمثيلها للشعب العراقي بناء على الهوية العرقية، المذهبية والدينية، والتي حققت خلالها "تقسيما" للشعب العراقي تستطيع خلاله ان تقدم نفسها كممثلة عن شعب "لا تعرفه باي شكل من الاشكال".

وفيما يخص الخطيئة الثالثة، فقد بين المركز، ان سياسة "اجتثاث البعث" التي خرجت تلك القوى بالتعاون مع الإدارة الامريكية، مكنتها من "السيطرة على مقدرات الدولة بالكامل من خلال استبدال الموظفين والمسؤولين ذو الكفاءة تحت بنوده باخرين ينتمون الى تلك الأحزاب والقوى السياسية ولا يملكون أي مقومات تمكنهم من تولي تلك المسؤوليات سوى قربهم وولائهم من الاحزاب التي اوصلتهم الى المناصب".

سياسة اجتثاث البعث بحسب المركز، استهدفت بشكل أساسي ومقصود ما يزيد عن أربعين الف موظف خدمة عامة في البلاد كانوا مجبرين على ان يكونوا جزء من حزب البعث رغما عنهم لكونه يمنع تمرير أي مسؤول كفوء نحو مركز مسؤولية دون ان يكون حاملا لانتماء مباشر للحزب الذي يتزعمه ديكتاتور العراق السابق، بحسب قول المركز، عمليات الاجتثاث مكنت تلك الأحزاب والقوى السياسية المنفية من وضع اشخاص ينتمون لهم في مراكز اتخاذ القرار داخل الدولة العراقية ومؤسساتها، وشكلت بذلك النواة الأساسية لمرحلة الفساد المستمرة حتى اليوم.

 

نواة الفساد شكلت أساس العنف.. الولايات المتحدة "دعمت الفاسدين" عمدا

الاحداث التي اسردتها المراكز، المعاهد ووسائل الاعلام الامريكية وقادت الى خلق العصر الجديد من الفساد داخل العراق، قادت بشكل مباشر أيضا الى وقوع الصراع الأهلي والنزاع المسلح في العراق، حيث أوضح المركز، ان النظر الى الاحداث الأمنية التي وقعت عقب تشكيل الحكومة من قبل النخبة السياسية المنفية وسيطرتها على مقدرات الدولة، وقعت عبر مركزين.

الأول كان القوى السنية التي وجدت نفسها خارج السلطة بعد سيطرة الاكراد والأحزاب الشيعية من خارج البلاد على الحكم، ذلك الاقصاء قاد الى خلق شعور بعدم الانتماء تبعه استغلال من قبل الجماعات الإسلامية المتطرفة تمخض عنه أخيرا ظهور تنظيم القاعدة أولا، وداعش الإرهابي لاحقا، بحسب وصف المركز.

اما المركز الاخر، فكان للقوى الشيعية التي يقودها رجل الدين مقتدى الصدر، والتي كانت مشكلة بالأساس من "الشيعة سكان المدن ممن لم يغادروا العراق خلال فترة حكم النظام الديكتاتوري"، مؤكدا "لقد وجدوا انفسهم خارج حسابات السلطة حين اجتمع الساسة المنفيون وكتبوا الدستور ولاحقا الحكومة دون اشراكهم، الامر الذي قاد بشكل مباشر الى ظهور ما عرف حينها باسم جيش المهدي، ونزاعه المسلح ضد الأمريكيين وحكومة النخب المنفية".

المركز خلص أيضا الى ان الأمريكيين قادوا الى وقوع هذه النزاعات من خلال "دعمهم لجهات سياسية معينة وخصوصا تلك التي أتت من خارج العراق، واقصائهم لاخرى، وبالتحديد تلك التي كانت داخل العراق، ولم يترك لها المجال ليكون لها صوت او راي في النظام الجديد الذي دخلته لاحقا ضمن نمط وشروط الفساد الذي سيطر عليه وازدهر عبره.

تلك النتائج قادت الى ما وصفه المركز على لسان منصور بانه "رفض" من العراقيين للمشاركة بالعملية التي تصفها الولايات المتحدة بــ "الديمقراطية في العراق"، موضحا "اعلى نسبة مشاركة في الانتخابات كانت عام 2005، ومنذ ذلك الحين تنخفض مع كل دورة انتخابية"، مشيرا الى دور نظام المحاصصة والفساد في تحقيق ذلك و"ياس" العراقيين من ان تكون الانتخابات سبيلا لتغيير واقع بلادهم، او حياتهم.

 

الأصوات الانتخابية لا تعني شيئا.. الفساد في العراق قوي لدرجة "قتل الناس حرفيا"

العراقيين بسحب ريناد منصور، ادركوا بعد سنوات، ان مشاركتهم المستمرة في الانتخابات لم تغير من واقعهم شيئا، موضحا "بعد سنوات مستمرة من العملية الديمقراطية، لا يزال العراقيون حتى اليوم، لا يملكون طاقة كهربائية حتى، فمن الطبيعي ان تنخفض نسب المشاركة في الانتخابات".

الياس لم يكن العامل الوحيد بحسب المركز، فقد اتضح بعد عشرين عاما من الممارسة التي توصف بــ "الديمقراطية" في العراق، ان الأصوات الانتخابية "لا تعني شيئا" على ارض الواقع اذا لم تكن ضمن الأحزاب التي دخلت السلطة عام 2003، ولا تزال الى اليوم تحكم البلاد، موضحا "مهما كانت النتائج الانتخابية وما تخرج به الأصوات، فان النتيجة ستكون ذاتها، توافق القوى السياسية نفسها على الحكم ونهب أموال العراق، الناس العاديين داخل البلاد لن يستفيدوا أي نتيجة من العملية الانتخابية"، بحسب منصور.

الاحتقان، الياس، تكرار فشل الديمقراطية في العراق، قاد الى وتيرة متصاعدة من التظاهرات التي وجدها العراقيون سبيلا وحيدا للتعبير عن صوتهم الحقيقي، بحسب المركز، والتي تمخض عنها التظاهرات الأكبر التي وقعت في تشرين عام 2019، لكن السلطات العراقية، النخب السياسية التي كانت منفية وتسيطر الان على السلطة " فضلت قتل ما لا يقل عن 600 متظاهر منهم، بدلا من الاستماع اليهم"، بحسب قوله.

وتابع "عمليات الاغتيال، الخطف، الاعتقال التعسفي وغيرها تعصف بكل من يظهر له صوت يعارض العملية السياسية الحالية والجهات التي تسيطر عليها، هذا ما يسمى الان بديمقراطية العراق"، مشددا "ديمقراطية القضاء فيها غير مستقل، البرلمان عاجز عن تحقيق أي تغيير ويتبع بشكل كامل رغبات الأحزاب السياسية وما تعقده من صفقات فاسدة خلف الأبواب المغلقة، وديمقراطية تتقاسم فيها المناصب الخدمية بين الأحزاب للاستحواذ على مخصصاتها وميزانياتها".

ريناد منصور وقبل اختتام حديث المركز المطول، اكد "الفساد في العراق يقتل الناس حرفيا.. لقد قمن بدراسة حول الادوية في البلاد ووجدنا ان سبعين بالمئة منها اما منتهية الصلاحية، او مزيفة كليا، على الرغم من المليارات التي تخصص لوزارة الصحة لاستيراد الادوية، لان تلك الأموال تذهب الى شبكات فساد تديرها الأحزاب السياسية"، بحسب قوله.

المعرقل الأكبر امام تحقيق ديمقراطية "حقيقية" في البلاد تقضي على الديمقراطية "الكاذبة" التي خلقتها الولايات المتحدة في البلاد بحسب المركز، هو الفساد، موضحا "لا نتحدث هنا عن فساد صغير مثل الرشى التي تدفع للموظفين، نحن نتحدث عن فساد هائل، فساد نظام سياسي، فساد بات لا يخالف القانون ويتطور بتطور اللعبة".

في النهاية، فان ما حققته الولايات المتحدة في العراق من نجاح كبير في منع قيام ديمقراطية فعلية على الأرض تهدد مصالحها المشتركة مع الأحزاب السياسية المسيطرة على الدولة، خلف اثرا كبيرا على العراقيين بحسب منصور الذي شدد "عشية ذكرى سقوط النظام الديكتاتوري السابق، يرى بعض العراقيون تفاؤلا بانهم تخلصوا من نظام قمعي وأسلوب حياة مقيت تحت سطوة الحصار، الا انهم عاجلا ما يتذكرون بانهم كان من المفترض ان يحصلوا على ديمقراطية، لكن بدلا عنها، وجدوا أمريكا تنشا نظاما يقوي النخبة السياسية الفاسدة، ما يدفعهم الى الشعور بالياس والاسى، وحتى الندم"، بحسب قوله.

واختتم ريناد، اذا ما سالت العراقيين الان في الشوارع، فان الإجابة على هذا السؤال ستكون صعبة، معظمهم بحسب منصور، يتفقون على ان نظام صدام كان سيء ويجب التخلص منهم، لكنهم أيضا، ينظرون الى ما مروا به عبر السنوات، من حرب أهلية، حرب مع تنظيم إرهابي، ثم قمع علني وقتل للمتظاهرين، وبالنظر الى ذلك سيكون موقهم "ان الامر لم يكن يستحق"، تلك التضحيات كلها في سبيل ديمقراطية "كاذبة".

كلمات مفتاحية

اخبار ذات صلة

تعليقات

أحدث الاخبار

كمين الاستخبارات يوقع بـ"مسؤول شرطة داعش" في نينوى

كمين الاستخبارات يوقع بـ"مسؤول شرطة داعش" في نينوى

2024-04-28 16:54 1
مجلس النواب يرفع جلسته

مجلس النواب يرفع جلسته

2024-04-28 16:10 8
وزير خارجية بريطانيا يبدي قلقه من "قانون تجريم المثلية العراقي" والصدر يرد عليه

وزير خارجية بريطانيا يبدي قلقه من "قانون تجريم المثلية العراقي" والصدر يرد عليه

2024-04-28 14:53 15
الخزعلي يستنكر البيانات التي صدرت ضد قانون مكافحة البغاء: "تهدد مشاريع أصحابها"

الخزعلي يستنكر البيانات التي صدرت ضد قانون مكافحة البغاء: "تهدد مشاريع أصحابها"

2024-04-28 14:45 8
الأمن الوطني يعلن تفكيك عصابة لتزييف الأموال في محافظة بابل

الأمن الوطني يعلن تفكيك عصابة لتزييف الأموال في محافظة بابل

2024-04-28 14:16 8
المالكي: تحويل الرواتب من بغداد الى إقليم كردستان سيستمر

المالكي: تحويل الرواتب من بغداد الى إقليم كردستان سيستمر

2024-04-28 12:58 7
السوداني يعلن عن التوصل لخيوط لكشف المتورطين بقصف حقل كورمور بكردستان

السوداني يعلن عن التوصل لخيوط لكشف المتورطين بقصف حقل كورمور بكردستان

2024-04-28 12:08 12
التربية تحدد رسوم الاشتراك بالمدرسة الإلكترونية بـ200 ألف دينار تدفع بطريقة الدفع الإلكتروني

التربية تحدد رسوم الاشتراك بالمدرسة الإلكترونية بـ200 ألف دينار تدفع بطريقة الدفع الإلكتروني

2024-04-28 11:57 5
جنايات النجف: السجن 7 سنوات بحق منتحل صفة مستشار بأمانة مجلس الوزراء

جنايات النجف: السجن 7 سنوات بحق منتحل صفة مستشار بأمانة مجلس الوزراء

2024-04-28 11:35 10
الرئيس رشيد يعرب عن دعمه لإرساء علاقات متينة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم

الرئيس رشيد يعرب عن دعمه لإرساء علاقات متينة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم

2024-04-28 11:13 9
الداخلية: الإيقاع بمتهمين اثنين بحوزتهما "10" قطع أثرية يرومان بيعها ببغداد

الداخلية: الإيقاع بمتهمين اثنين بحوزتهما "10" قطع أثرية يرومان بيعها ببغداد

2024-04-28 11:00 9
أسعار الدولار تسجل انخفاضاً في أسواق بغداد وأربيل

أسعار الدولار تسجل انخفاضاً في أسواق بغداد وأربيل

2024-04-28 10:47 21
إدارة الطاقة الأمريكية: صادرات العراق النفطية لأمريكا ارتفعت خلال الأسبوع الماضي

إدارة الطاقة الأمريكية: صادرات العراق النفطية لأمريكا ارتفعت خلال الأسبوع الماضي

2024-04-28 10:42 7
وزير الموارد: اتخذنا جملة اجراءات للتواصل مع دول الجوار حول ملف المياه

وزير الموارد: اتخذنا جملة اجراءات للتواصل مع دول الجوار حول ملف المياه

2024-04-28 10:26 11
الأنواء تكشف عن حالة الطقس خلال الأيام المقبلة

الأنواء تكشف عن حالة الطقس خلال الأيام المقبلة

2024-04-28 10:15 9
السوداني يصل إلى العاصمة السعودية الرياض للمشاركة بالمنتدى الاقتصادي العالمي

السوداني يصل إلى العاصمة السعودية الرياض للمشاركة بالمنتدى الاقتصادي العالمي

2024-04-28 09:57 12
أبو الغيط يدعو الدول المجاورة للعراق إلى زيادة الحصة المائية

أبو الغيط يدعو الدول المجاورة للعراق إلى زيادة الحصة المائية

2024-04-28 09:54 8
الأمانة العامة لمجلس الوزراء تعطل الدوام الرسمي ليوم الأربعاء المقبل

الأمانة العامة لمجلس الوزراء تعطل الدوام الرسمي ليوم الأربعاء المقبل

2024-04-28 09:42 17