هذه الدعوات شملت المطالبة بتقديم الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، الى المحاكمة الدولية بتهم ارتكاب "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" في العراق من خلال الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على البلاد عام 2003، بالإضافة الى تقديم "التعويضات اللازمة" للحكومة العراقية لمعالجة الاضرار التي تسبب بها الغزو الأمريكي على العراق.

الحملة التي وصفتها صحيفة غينزفيل تايمز الامريكية بــ "الحملة المضادة للاعلام الرسمي الأمريكي" طالبت المجتمع الدولي بالنظر بالجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة وبريطانيا والدول المتحالفة معها في العراق، قبل النظر الى الجرائم التي يتهم بارتكابها الرئيس الروسي، حيث دعت المحكمة الدولية الى إقامة دعوى قضائية ضد البلدان التي شاركت بغزو العراق، بذات التهم التي رفعت الان امامها ضد بوتن.

الحملة الإعلامية الجديدة تاتي مع توجه الولايات المتحدة ودول الحلفاء الى فرض مزيد من العقوبات على روسيا، والبحث فيما وصفته الصحيفة بــ "خيار نشر قوات أمريكية وتابعة لحلف الناتو في أوكرانيا لمواجهة القوات الروسية"، في حالة اكدت انها ستقود الى اندلاع حرب جديدة في أوروبا قد تتطور الى حرب عالمية جديدة.

بداية تلك الانتقادات وجهت الى الاعلام الأمريكي الذي اتهمته الصحيفة بــ "اتباع السلطة الامريكية وعدم انتهاج الحيادية فيما يتعلق بالفروقات بين ملفي الحرب الامريكية في العراق والروسية في أوكرانيا"، داعية وسائل الاعلام الامريكية الأخرى الى "انتهاج الحيادية" في الحديث عن المقارنات بين الأوضاع العراقية والاوكرانية، وتشابه سيناريوهات تعرض البلدين الى الغزو من دول كبرى تحت ذرائع متنوعة.

الصحيفة وصفت أداء الاعلام الأمريكي الان بــ "النفاق"، حيث قالت "ان الاعلام الأمريكي لم يطالب حتى الان بشكل فاعل بمحاكمة كل من بوش وبلير كما تطالب الان بمحاكمة بوتن، حيث لم يتم تقديم أي مسؤول عن الجرائم التي وقعت في العراق الى المحاكمة على الرغم من ثبوت زيف الادعاءات التي تم بناء الغزو على أساسها خارج موافقة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي".

وأضافت "ما تستخدمه الان روسيا لتبرير غزوها لاوكرانيا لا يختلف باي شكل من الاشكال عن الذرائع التي استخدمتها إدارة بوش وبلير لغزو العراق عام 2003، الامر الذي يجعل من مواقف الاعلام الأمريكي من الغزو الروسي منافقة بالنظر الى تشابهها مع الغزو الأمريكي للعراق"، داعية وسائل الاعلام الى "المطالبة بمحاكمة بوش وبلير قبل المطالبة بمحاكمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن". 

الاعلام الأمريكي "ينافق".. دعوات من صحفيين أمريكيين لوسائل الاعلام للعدول عن موقفها

الانتقادات التي وجهت الى الاعلام الأمريكي قادت منظمة الإدارة السياسية المسؤولة الامريكية، الى اصدار بيان نشرته في السابع عشر من مارس الحالي، شارك به مجموعة من الصحفيين الأمريكيين، يدعوا وسائل الاعلام الامريكية العاملة في داخل وخارج الولايات المتحدة، الى انتهاج "الحيادية والتعلم من الأخطاء التي ارتكبها الاعلام خلال الفترة التي قادت ولحقت بغزو الولايات المتحدة للعراق".

المنظمة التي أصدرت بيانها في الذكرى التاسعة عشر لغزو العراق، قالت "ان وسائل الاعلام الامريكية وخلال الفترة التي سبقت التاسع عشر من مارس عام 2003، اجتمعت على دعم الخطاب الرسمي الأمريكي الداعي لغزو العراق، وحشدت لذلك كل الجهود الصحفية والإعلامية للترويج للحرب على العراق وغزو أراضيه، تلك الحرب التي ما تزال مستمرة حتى اليوم دون عواقب"، على حد تعبيرها.

وتابعت "مواقف الاعلام الامريكية حول الملف العراقي أدت الى اتهام الاعلام بالتبعية للسياسات التي يطلقها البيت الأبيض وتنتهجها الولايات المتحدة، الامر الذي حول الاعلام الأمريكي الى فرقة تشجيع تابعة للسلطات، خصوصا بعد المواقف الأخيرة التي باتت تصدر عنه وتدين روسيا ونظامها على ذات الأفعال التي ارتكبتها الولايات المتحدة سابقا في كل من العراق وأفغانستان".

حرب المعلومات.. كيف شارك الاعلام الأمريكي في غزو العراق

وفي اطار الكشف عن تورط الاعلام الأمريكي بما وصفته المنظمة بــ "جريمة غزو العراق"، قالت "ان الحكومة الامريكية حرصت على تجنيد الأدوات الإعلامية الامريكية لتكون جنودا لها في الحرب التي شنتها على العراق وما تبع ذلك من دمار أصاب البلاد"، متابعة "الجنرال الأمريكي ديفيد بترايوس والذي كان يقود القوات الامريكية في العراق، صرح بان الاعلام الأمريكي هو جزء من حرب المعلومات التي تخوضها الولايات المتحدة على أراضيها بالإضافة الى الأراضي العراقية".

تصريحات بترايوس بحسب المنظمة كانت دليل ادانة اخر أشار باصابع الاتهام الى وسائل الاعلام الامريكية، مشددة "الاعلام الأمريكي فشل في الكشف عن الأكاذيب التي اطلقتها إدارة الرئيس بوش حول امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، بل حرصت على دعم موقف الحكومة وتعزيز تلك الأكاذيب، امر لم تتورط به وسائل الاعلام بل الصحفيين العاملين بها أيضا"، داعية الإعلاميين الأمريكيين الى "عدم ارتكاب ذات الأخطاء التي ارتكبوها في العراق من خلال تاييد المواقف الحكومية الامريكية فيما يتعلق الان بملف الازمة الأوكرانية والغزو الروسي".

المنظمة أوردت أيضا مجموعة من التصريحات للصحفيين الأمريكيين الذين كانوا يغطون اخبار العراق خلال فترة الغزو وما تبعها، اكدوا خلالها "وجود نمط غلب على الصحافة الامريكية يمنع أي نقد او شك في الموقف الرسمي للبيت الأبيض والبنتاغون حول العراق، امر باتت الصحافة الامريكية تكرره الان مجددا بما يتعلق بالملف الاوكراني".

الصحفيين اكدوا أيضا "ان الإدارة الامريكية كانت تخطط لغزو العراق لسنوات قبل وقوع احداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث فشل الاعلام الأمريكي في الربط بين الخطط الامريكية السابقة والتحركات التي قادت الى اعلان الحرب على العراق وغزوه لاحقا"، متابعين "التحركات الامريكية التي قادت للحرب لم تكن رد فعل على احداث سبتمبر، بل اجندة ساهم الاعلام الأمريكي بشكل فاعل في تمريرها"، على حد وصفهم.

 ما فعلته روسيا باوكرانيا "ضئيل" مقارنة بالولايات المتحدة في العراق.. يجب محاكمة جميع المجرمين

ومع تتابع البيانات الرسمية الصادرة من المؤسسات الامريكية في الذكرى التاسعة عشر لغزو العراق، دعت منظمة الديمقراطية الان السياسية الامريكية عبر بيان رسمي أصدرته في السابع عشر من مارس الحالي، المحكمة الدولية الى "رفع دعاوى قضائية ضد كل من جورج بوش وتوني بلير، بذات التهم التي قدمت الان ضد الرئيس الروسي بوتن".

وقالت المنظمة في بيانها "محكمة الجرائم الدولية في لاهاي وبعد طلب موقع من عدة دول أعضاء، باشرت الان بإقامة التحقيقات اللازمة لتقديم الرئيس الروسي فلاديمير بوتن الى المحاكمة بتهم ارتكاب جرائم ضد حرب وجرائم ضد الإنسانية على خلفية الغزو الذي قامت به روسيا لاوكرانيا، حيث أرسلت مبعوثها المدعي العام الدولي كريم خان الى بولندا وأوكرانيا للبدا بعمليات التحقيق".

وأضافت "على المحكمة الدولية أيضا ان تباشر بذات التحقيقات ضد كل من بوش وبلير على الجرائم التي ارتكبوها في العراق، حيث قام كل من البلدين بقيادة غزو على العراق خارج القوانين الدولية ودون العودة الى الأمم المتحدة، بالإضافة الى استخدام الولايات المتحدة لأسلحة محرمة دوليا في العراق وبلدان الشرق الأوسط، كان اخرها القاء القنابل العنقودية على اليمن عام 2009".

وبينت المنظمة التورط الأمريكي في الجرائم ضد العراق بالاستناد الى الخطاب الرسمي الذي قدمته المبعوثة الامريكية الى الأمم المتحدة ليندا غرينفيلد، التي "شطبت من الخطاب الرسمي الأمريكي الجزء الذي يدين استخدام روسيا للأسلحة العنقودية في أوكرانيا، كون الولايات المتحدة استخدمتها في العراق على الرغم من منعها عبر اتفاقية جنيف الدولية".

البيان الرسمي للمنظمة شدد أيضا على "الدمار الذي لحق بالعراق وشعبه بشكل كبير نتيجة للغزو الأمريكي واستمرار الحرب حتى اليوم، فالمعاناة التي تقع الان على الشعب الاوكراني هي ضئيلة بالمقارنة مع تلك التي وقعت على الشعب العراقي بسبب الأفعال الامريكية، فقد أدى التدخل الأمريكي في العراق الى مقتل ما يزيد عن 900 الف مواطن عراقي بحسب الإحصاءات الرسمية، وجرح واصابة مئات الالاف الاخرين بالإضافة الى تدمير البنى التحتية والتسبب بتشريد السكان".

المنظمة اختتمت بيانها بالتشديد "ان المحكمة الدولية لا يمكن ان تعني شيئا للعالم ما لم تطبق العدالة على الجميع بدون استثناء، فلا يجب ان يكون احد فوق القانون سواء كان في روسيا او الولايات المتحدة"، مضيفة "على أمريكا ان تنضم الى العالم المتحضر وتصلح اخطائها في العراق وتنضم الى الاتفاقيات الدولية التي تمنع استخدام الأسلحة المحرمة دوليا ومنها القنابل العنقودية والالغام التي ما يزال العراق وشعبه يعاني من تبعات استخدامها على أراضيه".