قطاع غزة والذي يتعرض الى حصار مستمر منذ عشرين عاما وعمليات قصف واستهداف عسكري متكررة من قبل إسرائيل ضد مواطنيه، قدم ما وصفته صحيفة ذا هيل الامريكية بــ "الرد" على الحكومة الإسرائيلي، التي كانت الى وقت قريب ترى في نفسها "حصينة" ضد العمليات العسكرية التي تطلقها الفصائل الفلسطينية، لتعلن الان انها تعرضت الى "احداث سبتمبر" الخاصة بها، في إشارة الى الهجوم الذي استهدف برجي التجارة العالميين في الولايات المتحدة عام 2001.

إسرائيل اطلقت موجة من عمليات القصف والحصار الشديد على قطاع غزة كمحاولة تنفيذ "انتقام جماعي" من المواطنين والمدنيين الفلسطينيين على تبعات استمرارها بسياساتها "العنيفة" ضد الفلسطينيين بحسب وصف شبكة الميدل ايست أي، من بينها، ارتكاب جريمة "مروعة" قامت من خلالها بجمع المدنيين الفلسطينيين بمنطقة بيت حانون في ساحة عامة، ثم قصفهم بالطائرات والمدافع في التاسع من أكتوبر الحالي.

الحكومة الإسرائيلية أطلقت كذلك موجة من "التهديدات" تستهدف المدنيين الفلسطينيين بشكل مباشر، تضمنت تهديدهم بالتعرض لــ "القتل" في حال لم يغادروا أراضي غزة باتجاه الحدود المصرية، بحسب ما أوردت وكالة رويترز الدولية للانباء في العاشر من الشهر الحالي، تلك الدعوة، وعلى الرغم خضوعها لوصف "التهجير القسري"، لم تشهد أي ادانات من المجتمع الدولي الذي يبدوا منحازا لجانب إسرائيل بشكل كبير.

المعلومات الأولية التي نشرت عن الهجوم الفلسطيني الأول من نوعه على إسرائيل منذ خمسين عاما، اشارت الى "تورط" إيراني في تنفيذه والتخطيط له، بحسب ما أوردت الوال ستريت جورنال، فيما نفت صحيفة الواشنطن بوست الامريكية، وجود أي علم لدى الحكومة الإيرانية بالعملية الفلسطينية، معلنة إنها خططت ونفذت من قبل الفلسطينيين أنفسهم دون توجيه خارجي.

عملية "فلسطينية" بامتياز.. ما هو دور إيران

صحيفة الوال ستريت جورنال الامريكية، أعلنت نقلا عن "مسؤولين" لم تسمهم، ان العملية الفلسطينية نفذت بتخطيط واشراف مباشر من الحكومة الإيرانية وتحديدا قوات الحرس الثوري، مؤكدة ان الهجوم الاسوا الذي تعرضت له إسرائيل منذ حرب عام 1973، تم التخطيط له من قبل مسؤولين في الحرس الثوري، حزب الله وحركة حماس من خلال مجموعة لقاءات "سرية" عقدت في العاصمة اللبنانية بيروت.

الوال ستريت جورنال ادعت أيضا نقلا عن "مسؤول أوروبي يعمل في سوريا" ان ايران عقدت الاجتماعات المذكورة في العاصمة السورية دمشق أيضا على فترات متقطعة قبل الهجوم، الامر الذي نفته الحكومة الامريكية عبر وزير خارجيتها انتوني بيلكنز الذي اكد ان واشنطن لا تملك حتى اللحظة أي دليل فعلي على وقوف طهران خلف هذا الهجوم "تحديدا"، بسحب وصفه.

المسؤول في حماس محمود ميرداوي، اكد للصحيفة أيضا ان العملية العسكرية التي نفذت "فلسطينية بالكامل وبقرار من حماس"، نافيا ان يكون لإيران دور في التخطيط لها او تنفيذها، امر أكدته أيضا صحيفة الواشنطن بوست الامريكية، التي اكدت ان حماس تتمتع بــ "استقلالية" كبيرة عن ايران ولا تعمل بتوجيهات منها.

الصحيفة أوضحت كذلك ان علاقة حماس بايران تتمحور حول الدعم الذي تقدمه الأخيرة لها من خلال الأسلحة، التدريب والخبرات التي ساعدتها على تطوير ترسانتها العسكرية المحلية التي قالت انها "صعقت" الجانب الإسرائيلي والعالم بنسبة التقدم الذي حققته وتمكنت عبر استخدامها من تنفيذ هجومها الناجح.

الادعاءات التي اطلقت من الصحف الامريكية حول وجود "تخطيط إيراني" للهجوم، صدرت بناء على تصريحات اطلقها المسؤول السابق في السي أي ايه الامريكية مارك بوليموربولس، الذي "رجح" ان تكون دقة العملية التي نفذت والتجهيزات العسكرية والاتصالات بالإضافة الى التنسيق العالي الذي نفذت خلاله، يشير الى دور إيراني.

مستشار البيت الأبيض لشؤون الامن القومي جوناثان فاينر، اتفق مع سلفه في تصريحات اطلقها عبر شبكة سي بي اس الامريكية، معلنا "استطيع ان أقول وبدون ادنى شك ان ايران لها دور ضليع في الهجوم"، متابعا "ايران هي الداعم الأكبر لحركة حماس منذ عقود، تقدم لهم التسليح، التدريب والدعم".

الباحث في شؤون الشرق الأوسط مايكل نايت، اكد أيضا ان الدقة الكبيرة واستخدام تكتيك الأسلحة المشتركة الذي اظهرته حماس خلال الهجوم وادى الى سقوط الدفاعات الإسرائيلية بوقت قياسي، يشير الى ان الهجوم نفذ بتخطيط سابق في "مكان اخر"، بحسب وصفه.

على الجانب الاخر، اكد مدير معهد واشنطن للدراسات العسكرية مايكل ايشندات، ان حركة حماس تمتلك مصانع أسلحة محلية خاصة بها، قامت بتطويرها عبر السنوات السابقة بعد حصولها على الخبرات اللازمة لذلك من ايران وخصوصا في مجال الصواريخ، مشيرا الى ان الدور الإيراني اقتصر على منح حركة حماس المعرفة الضرورية لتطوير قدراتها العسكرية الى هذا الحد "المتقدم".

الخبير السابق في وكالة السي أي ايه الامريكية بروس رايدل، اكد هذا الموقف معلنا "هذه هي حرب بين حركة حماس وإسرائيل، وعلى الرغم من ان ايران تدعم حماس، الا ان الأخيرة هي التي تتخذ قراراتها الخاصة، وخصوصا فيما يتعلق بالهجمات التي تنفذها"، امر اتفق معه فيه معهد بروكينز.

الخبير اكد أيضا ان المقاتلين الفلسطينيين الذين نفذوا الهجوم، تلقوا تدريباتهم داخل غزة ذاتها، والتي لا يوجد فيها أي مستشارين او مدربين عسكريين إيرانيين، موضحا "الأسلحة والصواريخ التي استخدمت تم تصنيعها محليا أيضا" بعد اغلاق منافذ التهريب التي كانت تستخدمها حماس عبر مصر من قبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سابقا.

هجوم "مذهل".. الصلح الخليجي مع إيران و"استقلالية" حماس مكن الفلسطينيين من تنفيذه

صحيفة الواشنطن بوست اكدت ان المحللين ومسؤولي الاستخبارات الأجانب بالإضافة الى الخبراء العسكريين، عبروا عن "دهشتهم" من الهجوم الذي وصفوه بــ "المذهل"، مؤكدين انها المرة الأولى التي تتمكن فيها الفصائل من استخدام تكتيكات عسكرية "متقدمة" مثل الهجوم عبر الجو، البر والبحر، وتغطية الهجوم بالقصف الصاروخي وبدقة "عالية جدا وغير مسبوقة"، موضحة ان هجوم حماس أصاب العالم بــ "الذهول" نتيجة لدقته، بحسب وصفها.

تمكن حماس من تنفيذ هجوم عالي الدقة وبشكل غير متوقع، وضع قدرات إسرائيل والولايات المتحدة الاستخباراتية "محل شك"، بحسب وصفها، مؤكدة "وقوع هكذا هجوم اثبت وجود خلل استخباراتي هائل لدى إسرائيل وحلفائها"، امر اكدت ان حماس تمكنت من تحقيقه نظرا لــ "استقلاليتها" عن إيران، موضحة "عدم قدرة الاستخبارات الإسرائيلية وحلفائها على توقع الهجوم اتى نتيجة لعدم مشاركة حماس معلوماته او التخطيط لتنفيذه مع طهران او أي جهة خارجية أخرى"، بحسب وصفها.

الوال ستريت جورنال الامريكية من جانبها، اكدت ان الهجوم كان يخطط له منذ أغسطس من العام الماضي، مشيرة الى ان الدقة الكبيرة في تنفيذه والدعم "الكبير" الذي تمكنت من الحصول عليه قبيله، تحقق نتيجة لــ "الصلح الخليجي الإيراني وخصوصا مع السعودية"، والذي أوضحت انه "ساعد إيران والفصائل المسلحة في المنطقة على التركيز على إسرائيل كالعدو الوحيد بدلا من السعودية والخليج".

 وكالة رويترز الدولية وشبكة وانا للانباء اكدت أيضا ان التاثير المباشر للهجوم "زعزع" من ثقة الدول العربية المطبعة مع النظام الإسرائيلي بقدرة تل ابيب الحفاظ على تعهداتها، مؤكدة ان الهجوم وربط ايران بتنفيذه عبر وسائل الاعلام الغربية، على الرغم من "نفي ايران لضلوعها بالهجوم وترحيبها به"، عظم من تاثيرها لدى الدول العربية والخليجية وزادها "حظوة" في الحصول على دعم تلك الدول للقضية الفلسطينية ضد إسرائيل التي قالت انها باتت تتجه نحو "الياس" من تنفيذ اجندة التطبيع بالكامل بعد هجوم السبت الماضي.

الشبكة حذرت أيضا من "فقدان" الولايات المتحدة لنفوذها على الدول العربية والخليجية والضغوط التي تمارسها عليها لتمرير التطبيع بعد الهجوم الأخير، مؤكدة ان انهيار العلاقات بين الولايات المتحدة الامريكية والسعودية ودخول الأخيرة في نظام بريكس الاقتصادي الصيني على حساب سويفت الأمريكي سيعجل في "نهاية" النفوذ الأمريكي في المنطقة، وبالتالي النظام الإسرائيلي الحالي، بحسب وصفها.

وعلى الرغم من وحشية الرد الإسرائيلي على قطاع غزة وارتكابها جرائم الإبادة الجماعية والتهجير القسري وخصوصا بعد مجزرة بيت حنون، الا ان الأوضاع الحالية لم تعد تصب في مصالح إسرائيل بحسب وصف وسائل الاعلام الأجنبية التي تنحاز معظمها للجانب الإسرائيلي، محذرة من واقعية "سيناريو انهيارها".

الهجوم "نتيجة" وليس "سبب".. إسرائيل هي من بدات

حالة "الإنذار الشديد" و"الهلع في الرد" على العملية الفلسطينية، تحدثت عنها صحيفة ذا اندبندنت البريطانية، التي حملت مسؤولية وقوعه للحكومة الامريكية مؤكدة ان "تجاهل البيت الأبيض" لايجاد حل نهائي لمشكلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على الرغم من العلاقات الإيجابية التي تحظى بها واشنطن مع تل ابيب، قاد الى النتيجة الحالية، بحسب وصفها.

الصحيفة اكدت ان الرئيس الأمريكي جو بايدن "اهمل" متابعة الجهود الدبلوماسية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الامر الذي أدى الى "ياس" لدى الجانب الفلسطيني من وجود نهاية للصراع الحالي، بحسب وصفها، الامر الذي قاد الى العملية العسكرية التي شنتها حماس.

تحركات بايدن وسلفه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الدفع نحو "اجندة التطبيع" تركت اثرها السلبي على الأوضاع الفلسطينية الإسرائيلية بحسب وصف الصحيفة، مؤكدة "خلال العامين الماضيين، تعاملت الولايات المتحدة بتجاهل تام للقضية الفلسطينية بالتزامن مع تصاعد دعوات العنف لدى الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلة".

وتابعت "بحسب الأمم المتحدة فان الاشهر التي سبقت هجوم حماس شهدت مقتل نحو 227 فلسطيني على يد القوات الإسرائيلية والمستوطنين على الأراضي المحتلة وخصوصا في منطقة الضفة الغربية"، امر أكدته بيانات الأمم المتحدة، مضيفة "واشنطن تجاهلت هذه الجرائم الى الدرجة التي اعلن معها مستشار الامن القومي الأمريكي جايك سوليفان ان الشرق الأوسط اصبح هادئ جدا".

الموقف الأمريكي عكسته تصرفات رئيس النظام الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي قالت الصحيفة انه "قام ببناء حكومة من المتطرفين واطلق حملة توسعية كبيرة في الضفة الغربية مطمئنا من عدم وجود أي ممانعات أمريكية"، امر اقترن بــ "انهيار محادثات السلام بشكل كامل بالتزامن مع تزايد في اعداد الضحايا الفلسطينيين نتيجة للحصار الإسرائيلي المخالف لقوانين الأمم المتحدة على قطاع غزة والمستمر منذ عشرين عاما"، بحسب وصفها، موضحة ان هذه العوامل قادت الى العملية التي اطلقتها حماس، والتي وصفتها بــ "النتيجة" بدلا عن "سبب".

موقف صحيفة الاندبندنت البريطانية خالف مواقف معظم وسائل الاعلام الغربية التي اتخذت جانب إسرائيل بشكل كبير على حساب الفلسطينيين، متجاهلة الجرائم التي ارتكبها النظام الإسرائيلي خلال الأعوام الماضية ضد غزة، ودورها في "انهيار" الاستقرار النسبي الذي تحقق خلال السنوات الماضية، بحسب وصفها.

قتل إسرائيل عبر "ألف جرح".. بداية النهاية

اما فيما يتعلق بالاستراتيجية طويلة الأمد والهدف من هجوم السبت الماضي، فقد أعلنت شبكة ان دي تي في الهندية، ان إسرائيل وجدت نفسها الان امام "جبهات متعددة"، مؤكدة ان الأيام الأخيرة الماضية شهدت وقوع اشتباكات على الحدود السورية واللبنانية مع القوات الإسرائيلية.

الوال ستريت جورنال اكدت من جانبها، ان مصر أبلغت إسرائيل بان أي غزو ارضي تشنه على قطاع غزة سيؤدي الى دخول حزب الله الى المعركة من الجانب اللبناني، فيما أعلنت إيران ان أي هجوم يطالها سيقود الى رد تقوم خلاله بارسال قواتها الى سوريا لمهاجمة إسرائيل عبر الحدود السورية.

الصحيفة تابعت "الخطة الحالية على ما يبدوا هي خنق إسرائيل من كافة الجهات، حزب الله وجبهة التحرير الشعبية في الشمال، جبهة الجهاد الفلسطينية وحماس في غزة والضفة الغربية، بالإضافة الى الجبهات السابقة في سوريا ولبنان"، بحسب وصفها.

صحيفة ذا هيل الامريكية من جانبها، اكدت ان الاستراتيجية الحالية والتي أرسلت رسالة "مميتة" الى إسرائيل، لا تعتمد فقط على فتح عدة جبهات ضد إسرائيل في ان واحد، بل تتعداه الى ما وصفتها بــ "قتل إسرائيل بألف جرح"،  حيث اكد الباحث في مؤتمر الشرق الأوسط جوناثان سباير، ان استراتيجية "الموت بالف جرح" التي تستخدمها ايران والفصائل ضد إسرائيل تتضمن عدة نقاط.

وتابع "اهداف هذه الاستراتيجية الأهم هي افقاد الإسرائيليين شعورهم بالحصانة وتقليل معنوياتهم وثقتهم بقدرة نظامهم على حمايتهم من خلال شن عدة عمليات مستمرة وشديدة التاثير خلال فترات متقطعة"، مشددا "الاستراتيجية ستقود الى محاصرة إسرائيل بهجمات متعددة، فعالة ومستمرة من عدة جبهات، تؤدي في النهاية الى افقاد الإسرائيليين رغبتهم البقاء في إسرائيل، وبالتالي دفعهم للهروب منها الى دول أخرى".

الصحيفة اكدت أيضا ان نجاح هذه الاستراتيجية يمكن ان يؤدي الى "نهاية" النظام الإسرائيلي بشكل كامل نظرا لعدم قدرته على مواجهة تحديات متعددة ومستمرة من جبهات عدة في ذات الأوان، تتخذ شكل عمليات عسكرية فعالة وسريعة كالتي نفذتها حماس، بحسب وصفها.

نجاح استراتيجية "الاف جرح" ما يزال محل تخمين من قبل المحللين العسكريين الذين رجحوا أيضا ان لا يكون الدعم الأمريكي المباشر كافيا لإيقاف الاستراتيجية الجديدة التي بات بإمكان الجهات المعادية لإسرائيل تنفيذها بسهولة نظرا لاستقرار العلاقات بين إيران ودول الخليج، وتوجه تركيز دول المنطقة على القضية الفلسطينية.

تدخل الولايات المتحدة قاد أيضا الى توقعات بوقوع إسرائيل "ضحية" لمحاولات واشنطن حمايتها، حيث أعلنت وكالة رويترز الدولية للأنباء، ان جهات متعددة ومنها الفصائل المسلحة في العراق واليمن، أعلنت عن استعدادها لاستهداف المصالح الامريكية في المنطقة في حال تدخلت واشنطن بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي الحالي، الامر الذي سيؤدي الى زيادة الاحتقان والتحركات ضد إسرائيل بشكل مباشر، بحسب وصفها.

في النهاية، نجاح عملية طوفان الأقصى قادت الى خلق "وضع جديد غير مسبوق" في منطقة الشرق الأوسط بحسب وصف صحيفة ذا دبلومات، التي توقعت ان يكون لدول مثل الصين "دور أكبر" قريبا في المنطقة، بعد الكشف عن "ضعف إسرائيل" وتراجع حظوظها في تحقيق التطبيع مع الدول العربية، الامر الذي ينذر ببداية "مرحلة جديدة" في المنطقة، لا تقتصر فقط على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل تتعداه الى المنافسة الامريكية الصينية.