الصدر يجمّد السرايا ويستثني محافظات مهمة.. مقدمات الحكومة التوافقية تمشي بخطوات هادئة
في إطار الجهود المبذولة لتشكيل الحكومة القادمة يعمل التيار الصدري على كسب الخصوم وإحراج المنافسين بحركات تتراوح بين الجدية والاستعراضية بحسب تقييم متابعين مهتمين، وآخر ما فعل هو صدور بيان، تابعه المطلع بعناية، لمقتدى الصدر يعلن فيه تجميد مكاتب سرايا السلام في جميع المحافظات عدا أربعة في خطوة غير مسبوقة..
وقد ذكر البيان المنشور على الموقع الإلكتروني لزعيم التيار الصدري أنّ المحافظات المستثناة هي النجف وكربلاء وصلاح الدين وبغداد على أمل استكمال الإجراءات التالية في المستقبل القريب.. وقد علل الصدر ما فعل بقوله: "ليكون درساً بليغاً في السياسـة مـن جهـة وإدارة الدولة من جهة أخرى، بل هـي بادرة خير وحسـن نـيـة مـني، ودفعاً لما يشيعه البعض عني: بأنني أديـر الدولة وأسيّس العباد بواسطة المليشيات" وأكد قائلاً: "ولـذا اقتضى التنويه بمنع أي مقـر أو حمـل سـلاح في غير هذه المحافظات، بل وفي المحافظات المقدسة أيضاً إلا بالتنسيق مع القـوات الأمنية ومن دون إشهار سلاح أو تدخل في ما لا يخصهم" كما حدد السقف الزمني لذلك التجميد بالقول "على أن يطبق ذلك خلال خمسة عشر يوماً من تأريخ هذا البيان"..
خطة محكمة
أثار أنصار الكتلة الصدرية فكرة أن ما فعله الصدر يندرج ضمن خطة متقنة من قبل التيار لإحراج المليشيات الأخرى التابعة لكتل معروفة بولائها لإيران، وهي ضرورية كما عبر الصدر كبادرة أولى ستتبعها أخرى بحسب مقتضيات الظروف، وقد خص المطلع المصدر المقرب من التيار الصدري حسن علي المنتظر بتصريحه قائلاً "هناك جزءان في سرايا السلام، الأول هم ثلاثة ألوية تابعين رسمياً إلى هيئة الحشد الشعبي بالأرقام التالية لواء 313، 314 و315 يعملون تحت أوامر هيئة الحشد الشعبي" مؤكداً أنّ "كل رواتبهم وغيرها من الدعم من قبل الهيئة الحشد وتواجدهم مخصث في قطاع عمليات سامراء والإسحاقي" ويتابع بالقول "أما الجزء الثاني فهم أفراد سرايا السلام في المحافظات الأخرى، هولاء يتواجدون بالمدن وليسوا عساكر، لهم بعض النشاطات المدنية أو الحملات والفعاليات التي يقوم بها التيار عادة" ويخرج بنتيجة أن الجزء الثاني "هم المشمولون بالتجميد أو الذوبان مع بقية أفراد الجمهور والصدر ينزع منهم عنوان السرايا بعد هذا البيان" وأشار إلى أنّ "السبب الذي دفع الصدر لذلك هو من باب (الأقربون أولى في الإصلاح)، فهذي الخطوة من أجل تقوية الدولة وإنهاء الجماعات والمليشيات خارج إطار الأجهزة الرسمية التابعة للدولة".
هذا وأنّ عدد أفراد سرايا السلام بسامراء وهم التابعون إلى الحشد الرسمي يقدر ب12 الف فرد، أما عدد السرايا في بقية المحافظات فيصل لقرابة 140 الف فرد، وهو الأمر الذي يؤكد متابعون من أنّ هؤلاء يشكلون أكبر مليشيا بالعراق علاوة على ما هو معروف من أنّ الصدر هو أول من أسس المليشيات بالعراق بعد سقوط النظام السابق.
استدراج للخصوم أم رسائل تطمين؟
اللافت بالأمر أن تستثنى مكاتب أربع محافظات تمثل ثقل التيار الصدري جماهيرياً ومليشياوياً، فالنجف وكربلاء يمثلان مركز حركة التيار بكل فعالياته، وبغداد هي العاصمة أما صلاح الدين فهي تحت سيطرة سرايا السلام من دون بقية المحافظات الغربية الأخرى التي سبق لداعش إن احتلتها، ويذهب حسن علي المنتظر إلى أنّ الصدر واع لهذه المسألة لكنه يفكر بالحل التدريجي لا الدفعي مرة واحدة، إذ يقول "يعتبر الصدر سرايا السلام ضداً نوعياً قبال الفصائل الأخرى التي توجد في العراق بعضها لم يخضع للدولة وبالتالي أبقى على جزء من السرايا في خطوة أولى على المستوى الاستراتيجي بحسب المعلومات وحسب ما أشار هو بالبيان بقوله (ولنا وقفة أخرى بخصوص الذين تم استثنائهم)" وأردف بعد ذلك "يعاني العراق إلى الآن من بعض التهديدات الأمنية وتهديدات من بعض الأطراف التي تمتلك أجنحة مسلحة، والصدر منذ 2015 كان يطالب بتوحيد القوات الأمنية من خلال دمج بعض الفصائل في الحشد مع القوات الأمنية" وأضاف أن كل ذلك كان "من أجل أن تكون هناك قيادة واحدة للقوات الأمنية وسحب الأجنحة العسكرية من الأحزاب إلى أن تكون تحت الدولة" ويستدرك "لكن هناك أطراف داخلية وخارجية تمنع ذلك رغم إقرار قانون خاص للحشد وأصبح رسمياً وعلى الورق مرتبطاً بالقائد العام للقوات المسلحة كهيئة مستقلة".
فيما يذهب عضو الأمانة العامة للبيت الوطني أنمار آل عمر إلى أنّ "المليشيات هي المليشيات، والصدر متخوف من أيّ مخطّط أو تهديد قد يعكّر أو يفشل الحكومة الصدرية القادمة الواضحة ملامحها" مبيناً أنّ "من يرغب بلجم المليشيات ولجم سلاحها المنفلت فليعلن تسليم كلّ السلاح والمشاجب والمكاتب للحكومة وسلطة الجيش" معتبراً أنّ "مصطلح التجميد والتعليق هو كما عبّر الصدر بنفسه سابقاً مع إحدى الفضائيات بأنه وبأيّ لحظة (الجداحة موجودة) وهي إشارة الى احتمالية فك التجميد مستقبلاً عند الحاجة إليه".
حكومة توافقية لا تشترط تنازل الصدر
يرى أغلب المحللين والمعلقين المختصين بالشأن العراقي أن لا مناص من الحكومة التوافقية، لأنها النموذج الوحيد الذي يتيحه توازن القوى على الساحة العراقية، فالنظام السياسي عقيم لا يستطيع الظفر بحكومة أغلبية لكون الذين لا يشاركون بالأغلبية يعدون المعارضة جهد الخاسر وليست مسؤولية أخرى، ويعتبر أنمار آل عمر أن ما يفعله الصدر حالياً ليس سوى نشوة الفائز وأنّ المتابع "سيقرأ ويفسّر البيان لإحراج الآخرين، لكن الواقع يقول هي نشوة الفائز وجزء من ورقات سيقدمها الصدر لاستمالة الشارع وربما المجتمع الدولي" مشيراً إلى أنّ تجميد سرايا السلام "يقع أساساً في محافظات هامشية وليس بها مصدر قرار سياسي أو ديني سيحرج باقي الفصائل".
وفيما يذهب آخرون إلى أنّ الحكومة التوافقية برعاية الصدر تقتضي تنازل التيار الصدري للشركاء وتحديداً لقوى الإطار التنسيقي التي تجمع الخاسرين سيما بعد جولاتها الحامية في الضغط عليه بكل الوسائل الممكنة، يذهب آل عمر إلى أنّ التوافقية هذه لن تكون مشروطة بتنازل الصدر، بل بتنازل قوى الإطار التنسيقي إذ يقول "بحسب نتائج الانتخابات الكتلة الصدرية هي صاحبة القدم الأعلى والإطار التنسيقي ليس كتلة بقدر ما هو تحالف من كتل مهددة بأي لحظة بالانسحابات واستمالة الخصوم".
أما فيما يخص الكورد والقوى السنية فالأمر ذاته كما قال آل عمر، سيقدمون التنازلات أيضاً لكن كل على طريقته الخاصة "بدايةً الكورد كما تعودنا طيلة 18 سنة ومهما تعددت أحزابهم ورؤاهم يأتون لبغداد كتلة واحدة باحثة عن الحقوق والامتيازات القومية" موضحا "أعتقد أن من يقدم هذه الحقوق والامتيازات يحضى بأصوات الكورد، أضف الى هذه الحقوق معضلة كركوك، اما منصب محافظ كركوك سيسوى داخلياً" ويضيف "كذلك السنة بتقدمها وعزمها، كتل باحثة عن إحدى الرئاسات وأربع أو خمس وزارات، من يقدم هذه الحقائب سيكون شريكاً وحليفاً للسنوات الأربعة القادمة".