و على الرغم من ان الحملة داخل العراق تعود الى سنوات سابقة، الا ان انتشار المعلومات حولها مؤخرا أدى الى تصاعد الجدل الشعبي حولها، مع تزايد المعلومات حول اليات تنفيذها داخل العراق والاجندة التي تقف خلفها وأسباب دعمها من قبل الحكومة العراقية وبعض الأحزاب السياسية المحلية داخل البلاد، حيث بدات وسائل الاعلام المحلية بتناول موضوعة الهوية الجندرية والنوع الاجتماعي خلال الفترة الأخيرة باشكال متعددة ساهمت في زيادة الخلط والتشوش حول حقيقتها، ومن يقف خلفها. 

ثقافة الهوية الجندرية والنوع الاجتماعي والتي ظهرت في أوروبا بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص منذ ثمانينات القرن الماضي، ظهرت الى الواجهة بشكل فاعل خلال السنوات القليلة الأخيرة بعد حصولها على دعم من اكبر الشركات في العالم، شركة أمريكية تعرف باسم "بلاك روك"، والتي باشرت بتنفيذها ضمن اجندة عملها داخل الشرق الأوسط بشكل عام، والعراق بشكل خاص لارتباطه الوثيق بالشركات الأجنبية وخصوصا الامريكية، واعتماده بشكل جزئي اقتصاديا على الدعم المقدم من الدول المانحة والجهات الدولية ومن بينها البنك الدولي، الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي. 

ما هي الهوية الجندرية والنوع الاجتماعي

تصاعد الحديث عن الهوية الجندرية والنوع الاجتماعي ظهر بعد موجة من الدعم المباشر المقدم من الدول المانحة، والأمم المتحدة لبرامج تنفذ داخل العراق بهدف الترويج لها ضمن اتفاقيات عامة وقعت عليها الحكومة العراقية للحصول على القروض والدعم الدولي، وكانت من بين اجندتها، تنفيذ متطلبات تصفها تلك المنظمات بــ "الإنسانية" لتحقيق التنفيذ الكامل من الدول الموقعة، ومنها العراق، على تلك الاتفاقيات "المشروطة". 

موقع الأمم المتحدة الرسمي، يعرف مصطلح النوع الاجتماعي على انه "الأدوار المحددة اجتماعيا بين الرجال والنساء"، موضحا انها "أدوار تكتسب بالتعليم وتتغير بمرور الزمن وتتباين تباينا شاسعا داخل الثقافة الواحدة وتختلف من ثقافة لاخرى"، مشددا على ان مصطلح النوع الاجتماعي "لا يعد بديلا لمصطلح الجنس الذي يشير بدوره الى الاختلافات البايلوجية بين النساء والرجال". 

تعريف الأمم المتحدة دخل ضمن الاتفاقيات التي وقع عليها العراق والتي كانت أخرها "مذكرة التفاهم" التي وقعت بين الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي ومنظمة الأمم المتحدة وتحديدا اليو ان دي بي، في حزيران من العام 2021 والتي تضمنت بنودا عن "تمكين المراة وتحقيق المساواة الجندرية" بحسب وصف موقع ريليف ويب التابع للأمم المتحدة.

مذكرة التفاهم الأخيرة ضمن سلسلة من الاتفاقيات الأخرى، وصفها الموقع الاممي بانها ستساعد على "الحصول على بيانات جندرية واضحة عن العراق وسد الهوة في تلك البيانات نحو مساعدة الحكومة العراقية على تشذيب قوانينها" بحسب وصفها، مشيرة الى الهوية الجندرية كاحد معايير النوع الاجتماعي داخل العراق. 

اما الهوية الجندرية، فتعرف من قبل حملة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة، على انها "مفهوم الذات حول الوصف الخاص كذكر، انثى كلامها، او دونهما، وكيف يصف الأشخاص انفسهم جنسيا، وتختلف تلك من شخص لاخر او تتشابه، لكنها ليست الجنس الذي يحدد للفرد عند الولادة". 

تعريف المنظمة للهوية الجندرية يشير الى المفهوم الغربي الذي بات الان يلغي في المجتمعات الأوروبية مفهوم الذكر والانثى والادوار الاجتماعية المرتبطة بهم، حيث يبين موقع المنظمة ان الهوية الجندرية هو جزء من النوع الاجتماعي وبالتالي فان محددات النوع الاجتماعي تتباين وتتغير بحسب وصف الافراد لهويتهم الجندرية. 

هذه المفاهيم التي تحاول تغيير "النظر الاجتماعية للجنس والجندر" بحسب وصف شبكة ام اس ان الامريكية، أدت الى جدل واسع داخل الأوساط الأوروبية بشكل عام والأمريكية بشكل خاص، نظرا لتدخلها المباشر بطبيعة النوع الاجتماعي والدور الذي يلعبه الرجل والمراة في المجتمع، معلنة في تقرير نشر في الثلاثين من الشهر الماضي، ان محاولات "اجبار التغيير" من خلال المناهج الدراسية والشروط الاقتصادية والقانونية على المؤسسات والشركات بالإضافة الى الافراد، تسببت بــ "مشاكل كبيرة" داخل المجتمعات الأوروبية والأمريكية، ما تزال مستمرة حتى اليوم. 

مخاطر اجندة الهوية الجندرية ضمن النوع الاجتماعي تحدثت عنها شبكة نيوز ميديكال الامريكية المختصة بالشؤون الطبية في تقرير نشرته في الحادي والثلاثين من الشهر الماضي، مؤكدة ان الدراسات التي أجريت على تطبيقها في الولايات المتحدة، اثبتت ارتباطها بــ "مشاكل نفسية" بات الشباب والمراهقين "يعانون منها" وساهمت بانتشار مرض يعرف باسم "التشوش الجندري" في أوساط طلبة الجامعات الامريكية، خصوصا بعد اقترانها بتوسع كبير في الوصف شمل "العبور الجنسي والعرقي والنوعي" ليشمل استخدام الادوية والعمليات الجراحية لتغيير الجنس، العرق، التوجه الجنسي وحتى العبور بين الفصائل البشرية. 

ليست بالجديدة.. الكشف عن دخول الثقافة الجندرية العراق عام 2021

خلال الأيام التي لحقت توقيع مذكرة التفاهم مع الأمم المتحدة، نشر معهد لندن للدراسات الاقتصادية والسياسية تتقريرا في سبتمبر من العام 2021، اكد خلاله دخول ثقافة الهوية الجندرية والنوع الاجتماعي الى إقليم كردستان العراق وتحقيقها "نجاحا" في الانتشار مع "اقبال الشباب" على اعتناقها. 

المعهد اكد خلاله تقريره ان إقليم كردستان العراق "يمر بمرحلة تغيير كبيرة عقب هزيمة تنظيم داعش الإرهابي، واهم معالمها السياسية والاجتماعية هي الحركة النسوية وحركة تحقيق الذات" في إشارة الى الهوية الجندرية، مؤكدة "ان السنوات القليلة الأخيرة شهدت اعتناق جيل الشباب من الإقليم ومن خلال أعمالهم الفنية وحياتهم الشخصية ثقافة الجندر ومكافحة العنف القائم على الجنس بالإضافة الى مكافحة المحافظة الدينية التقليدية"، بحسب وصفه. 

تاثر إقليم كردستان العراق بتلك الحركة عزز من "تصميم" المؤسسات الدولية على "تطبيق ثقافة الهوية الجندرية والنوع الاجتماعي" داخل العراق بحسب ما أشار المعهد، مؤكدا وجود "برامج" تستهدف الجامعات والاوساط الاكاديمية في منطقة الشرق الأوسط لتعزيز تلك الثقافة، بحسب وصفه. 

من يقف خلفها.. بلاك روك ولوبيات الضغط الدولي

خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، أطلقت شركة بلاك روك، والتي تعرفها بلومبيرغ الدولية على انها "اكبر شركات العالم الاستثمارية براس مال وصل الى عشرة ترليون دولار خلال عام 2021 وتمارس عمل إدارة الاستثمارات المالية لجهات دولية وشخصيات متنفذة حول العالم"، حملة لدعم النسوية، حرصت من خلالها على "القضاء على فكرة العائلة النووية" في إشارة الى الصورة التقليدية للعائلة والتي تتضمن ان تكون الام داخلها ربة منزل. 

 هدف تلك الحملة بحسب الانتقادات التي وجهت لها من وسائل الاعلام الأجنبية والناشطين واوردتها شبكة ميديوم في تقرير نشرته في الخامس عشر من يناير عام 2017، هو زيادة اعداد اليد العاملة من خلال اقحام النساء في سوق العمل بهدف تقليل الأجور وزيادة أرباح المستثمرين، مؤكدة ان الشركة التي تسيطر على جزء كبير من الاستثمارات الاقتصادية في العالم تمارس عمل "لوبيات" ضغط على الحكومات والمنظمات بهدف تحقيق زيادة في الأرباح عبر استغلال الحركات الاجتماعية والسياسية، بالإضافة الى توسعة سيطرة الولايات المتحدة الامريكية على البلدان التي تعمل فيها الشركات والمنظمات الدولية، بحسب وصفها. 

شركة بلاك روك والتي تملك استثمارات تصفها منظمة ليلتسيستر الامريكية الرقابية بــ "الهائلة" في قطاعات عديدة مثل "النفط والطاقة، التسليح، التقنية، البيع بالتجزئة والجملة، قطاع الصحة ونقل البضائع بالإضافة الى "قطاعات واسعة أخرى"، تتضمن استثمارات "مليارية" في شركات تعمل داخل العراق والشرق الأوسط، واهمها اكسون موبيل، شيفرون، لوكهيد مارتن، وغيرها، تستخدمها الان في فرض ضغوط وتحريك لوبيات داخل الحكومات لتنفيذ الاجندة التي قالت انها تهدف الى زيادة أرباح المستثمرين والشركات وتوسعة السيطرة الامريكية على الدول التي تعمل داخلها عبر تفكيك المجتمعات وبناء أخرى جديدة تناسب "نظرة" رؤوس الأموال المستثمرة داخلها. 

بلاك روك التي حصلت على لقب اكبر شركة في العالم عام 2021، تملك الان "صيتا سيئا" نظرا لتورطها في تلك الحملات بالإضافة الى اعمال أخرى وصفت بــ "الاجرامية"، حيث كشفت شبكة الفاينشنال تايمز في تقرير نشرته في الثامن عشر من مارس عام 2013، ان الشركة وأخرى تعمل باستثمارات تقدمها من بينها شركة هاليبرتون سيئة الصيت وبلاك ووتر، حصلت على أرباح تقدر بــ 138 مليار دولار من العراق فقط، خلال الأعوام التي تبعت غزوه عام 2003، مؤكدة انها تورطت أيضا بتجهيز أسلحة لعناصر "مخربة" داخل بلدان الشرق الأوسط واهمها العراق واليمن وسوريا ولبنان لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية، ومن بينها الحرص على "تدمير" تلك البلدان للحصول على عقود إعادة الاعمار بسيناريو مماثل لما فعلته في العراق. 

ليس العراق فحسب.. بل الشرق الأوسط 

تحركات الشركة "المشبوهة" على الأصعدة الاجتماعية، السياسية، واستخدامها نفوذها داخل البنك الدولي والأمم المتحدة، بالإضافة الى الاتحاد الأوروبي والمنظمات المرتبطة بها، لدفع الحكومات نحو تنفيذ اجندتها عبر الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الدولية، لم تتوقف فقط عند العراق داخل الشرق الأوسط، بل تعدته الى الدول العربية.

حيث كشفت مجلة فورتن الامريكية في تقرير نشرته في الرابع والعشرين من يناير الماضي، ان الشركة نجحت بدخول الشرق الأوسط بشكل واسع، الامر الذي كشف عنه من خلال مؤتمر الاقتصاد الدولي، احد اذرع الشركة المشبوهة، والذي عقد مؤتمره في العاصمة الإماراتية أبو ظبي خلال ذات الشهر.

الشركة أعلنت "إطلاق عصر جديد" في الشرق الأوسط من خلال استثمارات في "المدن الذكية والمقاومة للحرارة" سيئة الصيت، والتي تتهم من وسائل الاعلام الأجنبية بانها تحاول "تقنين السيطرة البوليسية" على تلك الدول من خلال اجبار السكان على العيش والعمل في مساحات ضيقة مسيطر عليها امنيا بشكل مشدد، امر أكده الموقع الرسمي لمؤتمر الاقتصاد الدولي من خلال نشره تفاصيل "تمويل واستثمار" شركة بلاك روك ومساهميها بالمدن الذكية داخل الشرق الأوسط واهمها السعودية والامارات. 

كيف تعمل الشركة وأهدافها: الاجبار على "التغيير" بالقوة

بحسب تصريحات المدير التنفيذي للشركة لاري فينك، فانها قد وضعت منذ أعوام ما وصفها بــ "القائمة" التي تستخدمها لــ "تقييم" التزام الشركات، المؤسسات الدولية والحكومات بالاجندة التي تطرحها الشركة وتحاول تطبيقها على الدول والمجتمعات التي تعمل داخلها، حيث اكد خلال مؤتمر الاقتصاد الدولي في أبو ظبي، ان شركته "تستخدم الاجبار على التغيير" من خلال الشروط التي تضعها. 

تلك الشروط ومن خلال لوبيات الشركة بحسب منظمة ليلتلسيستر زجت في الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تعقدها الأمم المتحدة والمنظمات الأممية الأخرى مثل الاتحاد الأوروبي مع الدول، حيث عملت الشركة من خلال لوبيات الضغط التي تملكها داخل تلك المؤسسات وتمنحها بموجبها "تمويلا استثماريا وتبرعات" على اقحام تلك الاجندات في العقود ومذكرات التفاهم الدولية، والتي كان العراق من بين الدول التي وقعت عليها عبر تعاملاته مع الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي والمصارف المرتبطة به مثل المصرف الأوروبي لاعادة الاعمار والتنمية والبنك الدولي. 

نفوذ الشركة على المؤسسات الدولية كشف عنه بشكل واضح من خلال تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية نشر في العاشر من أغسطس من العام الماضي، حيث اكدت خلاله ان ناشطين ومنظمات حقوقية قدموا "عريضة" الى الأمم المتحدة يطالبون خلالها المنظمة الدولية بــ" الغاء شراكتها" مع شركة بلاك روك، كاشفة بذلك عن وجود شراكة رسمية وثيقة بين الشركة والمنظمة الأممية. 

تلك الشراكة استخدمت بحسب الصحيفة البريطانية في "تمرير اجندات" الشركة ومساعيها لــ "تحقيق الأرباح" على حساب المصالح العامة للبلدان والمؤسسات المرتبطة بالأمم المتحدة، بالإضافة الى "الاحمال السيئة" التي تحملها الشركة لتورطها باعمال فساد واجرام داخل بلدان الشرق الأوسط ومن بينها العراق خلال تاريخ عملها، الامر الذي قالت ان الناشطين والمنظمات انتقدت الأمم المتحدة على شراكتها مع الشركة عبره. 

حتى اللحظة ونظرا لسيطرة شركة بلاك روك على غالب اسهم المؤسسات الإعلامية الكبرى حول العالم، ما تزال المعلومات حول مدى "شراكتها" مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والبنك الدولي محدودة، على الرغم من تكرار تاكيدها عبر الناشطين والمنظمات الأوروبية المعارضة لسيطرة الشركة على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، لكن الواضح الان ان خطتها للشرق الأوسط بشكل عام، وللعراق بشكل خاص، قد دخلت حيز التنفيذ الواسع والعلني، بعد إقامة مؤتمر الاقتصاد الدولي في أبو ظبي.

المعلومات المتوفرة الان تؤكد ان الشركة لا تسيطر فقط على الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والاممية بالإضافة الى المصارف وكبرى الشركات حول العالم وتستخدمها لتحقيق مصالحها الخاصة فقط، بل تعدته الى استخدام برامج تلك المنظمات لتمرير اجندتها بشكل علني على الرغم من الرفض الاجتماعي داخل البلدان العاملة فيها، والتي كان من شواخصها، قيام المتظاهرين الفرنسيين بالهجوم على مقر الشركة في العاصمة الفرنسية باريس واحراقه في ابريل الماضي، تعبيرا عن رفضهم للدور السلبي الذي تلعبه الشركة واجندتها في داخل فرنسا بحسب السي ان ان.