
تقرير أمريكي: قصة وطن يخنق كلماته... حين يصبح الكلام جريمة في العراق
لم تكن بداية الحكاية كما هي نهايتها، فبعد عام 2003، ظن العراقيون أن عهد تكميم الأفواه انتهى، وأن حرية الإعلام ستنبت في أرض تعبت من الصمت.
مرت السنوات، وتعاقبت الحكومات، وتعددت المنصات... لكن الحرية التي وُعد بها الناس بدأت تنكمش شيئًا فشيئًا، حتى بدت اليوم كذكرى بعيدة.
في تقرير صادر عن "معهد صحافة الحرب والسلام" الأمريكي، وترجمته وكالة المطلع، حمل عنوانًا يعكس عمق المرحلة: "فترة حساسة في العراق".
التقرير أشار إلى تراجع خطير في حرية الصحافة بالعراق، مؤكّدًا أن التعامل مع الصحفيين بات أقرب إلى أساليب الأنظمة الاستبدادية.
كانت نقطة التحوّل الكبرى في تشرين، حين خرج الشباب إلى الساحات، مطالبين بتغيير حقيقي، لا بالشعارات بل بالفعل.
كانت احتجاجات تشرين نادرة في عمقها، قوية في تأثيرها السياسي والاجتماعي، لكن رغم زخمها، واجهت هذه التظاهرات تهميشًا إعلاميًا واسعًا، إذ تجاهلها الإعلام الرسمي، ووجد الناشطون أنفسهم بلا نافذة ينقلون عبرها صوتهم. فكان البديل: الهواتف الذكية، وسائل التواصل الاجتماعي، وصفحات "فيسبوك" التي أصبحت منابر للغضب والأمل.
كان غياب الإعلام المحلي عن الحدث صادمًا، لا قناة، ولا جريدة، ولا إذاعة حاولت أن تكون جسرًا بين الميدان والجمهور، لم يكن هناك فضاء يُعبّر من خلاله الشباب عن آرائهم، ومع الوقت، أدرك هؤلاء أن المعركة ليست فقط في الشارع، بل أيضًا في من يملك الحق في رواية القصة.
من بين من تابعوا هذا التحول عن كثب، كانت عايدة القيسي، إعلامية عراقية في الثلاثين من عمرها، تعيش في بريطانيا منذ أكثر من ثلاثين سنة، وتحمل درجة الدكتوراه في الإعلام العراقي.
درست بيئة إعلامية معقدة، وغالبًا ما تكون مقيدة، وقالت بوضوح: "قبل 2003، كان الإعلام أداة دعائية بيد الدولة، وبعد التغيير، وُضعت قوانين تهدف للتعددية، وشُكّلت هيئة بث وهيئة تنظيمية، لكن التطبيق لم يكن على قدر الطموح".
رغم وجود العديد من القنوات والصحف والمنصات، أكدت القيسي أن:"غياب الرقابة على ملكية الإعلام وتمويله ومحتواه سمح بتحوّله إلى أداة بيد السياسيين، الأحزاب، رجال الأعمال الطامحين بالسلطة، بل وأطراف خارجية تسعى لتحقيق مصالحها داخل العراق. هكذا، بدل أن تكون وسائل الإعلام صوتًا للشعب، صارت صوتًا على الشعب".
الأمر لم يتوقف عند التهميش. فبعد احتجاجات تشرين، ومع شعور السلطة بالتهديد من الأصوات المطالبة بالتغيير، بدأت موجة جديدة من القمع... هذه المرة بقفازات بيروقراطية.
تقارير المنظمات تشير إلى أن الحكومة جعلت تسجيل المؤسسات الإعلامية أمرًا مكلفًا ومعقدًا، ومع ذلك، لم تكن الإجراءات الإدارية وحدها هي العائق، فقد أُطلقت منصة إلكترونية تحث الناس على التبليغ عن أي منشور يُعتبر "غير أخلاقي" على وسائل التواصل، ما قاد إلى حظر استخدام كلمات مثل "الجندر" و"تمكين المرأة"!
وفي خضم هذه البيئة القاتمة، حاولت عايدة وزملاؤها أن يسجّلوا مؤسسة "جمّار" داخل العراق، لكن ذلك لم يُسمح به، فاضطروا لتسجيلها في ألمانيا في تشرين الثاني 2021.
ومع ذلك، تقول القيسي: "رغم تسجيلنا خارج البلاد، نحن نعمل في عموم العراق والمنطقة، ونهجنا عراقي خالص، حتى اسم جمّار مستمد من قلب النخلة، وشعارنا مستوحى من عمارة بغداد القديمة".
لكن التحديات لا تقف عند الداخل، فالعراق، اليوم، لم يعد أولوية للكثير من الجهات الدولية.
فبعد أن صنّفه البنك الدولي كـ"دولة ذات دخل متوسط"، بدأت مؤسسات التنمية والمساعدات بالانسحاب، وهكذا، بينما الإعلام المستقل يتعرض للقمع، يفقد أيضًا فرص الدعم الخارجي.
ورغم كل ذلك، تقول عايدة، إن الأمل لم يمت: "لا تزال هناك حاجة ملحّة لدعم الصحفيين والفنانين والموسيقيين والمصممين الشباب.
نحن بحاجة للاستماع إلى الأصوات العراقية، وإعادة العراق إلى السردية العالمية، إلى الحوار الدولي، لا أن نُنسى وسط ضجيج العالم".
هكذا تُختصر الحكاية: وطن يحاول بعض أبنائه أن يُخرجوه من الصمت، بينما تُفرض عليهم قيود تُشبه تمامًا تلك التي ظنوا أنهم تركوها خلفهم... قبل أكثر من عشرين عامًا.
كلمات مفتاحية
اخبار ذات صلة
تعليقات
أحدث الاخبار

أسرار وجبات رونالدو... تعرف على أغلى طبق قدمه له طباخه السابق

تصوير الأسئلة ممنوع... عقوبات مفاجئة تهز المشهد التعليمي

بالوثائق... اتهام لهيئة الإعلام والاتصالات بالتقصير في استحصال ديون شركة "كورك"

الدولار يتراجع في أسواق بغداد وأربيل مع إغلاق بورصتي الكفاح والحارثية

القائد العام يوجه بتخصيص قطع أراضٍ لوزارة الداخلية ضمن توسعة النهروان

المالية تحدد إتمام السن القانوني إلى 60 عاما بشأن الإحالة إلى التقاعد

الذكاء الاصطناعي يكشف حقيقة الظواهر الغامضة على كوكب المريخ

بالوثيقة... المفوضية تلغي المصادقة على تحالف الأنبار المتحد

تأكيد حكومي على أهمية دور رجال الدين بترشيد الخطاب ومحاربة التطرف

الفستق يسجل نموا عالميا والعراق ضمن أكبر الأسواق المستهلكة

بعد شائعات طويلة... أحمد السقا يعلن انفصاله عن الإعلامية مها الصغير

ريال مدريد يستعد للمرحلة المقبلة بصفقة سريعة وفتاكة من الليغا

الرحيل على الطاولة... جوارديولا يضع حدا لصبره مع مانشستر سيتي

بعد وفاة طالب وإصابة آخرين... إقالة قيادات في الكلية العسكرية الرابعة

إطلاق راتب المعين المتفرغ لشهر أيار الحالي

العراق... تدريب تحت الشمس ينتهي بفاجعة في الكلية العسكرية الرابعة

اتفاقية عراقية صينية لخلق بيئة استثمارية خالية من الفساد
