تتسارع وتيرة الاحداث في السياسية والاقتصادية في البلاد، تزامنا مع الارتفاع الحاد في سعر صرف الدولار والانخفاض في قيمة الدينار، حيث بدأت الحكومة تتحرك لاعادة سعر الصرف الى السابق ومعالجة قضية التهريب في العملة الصعبة من العراق الى دول الجوار.
وبدأ الحراك الحكومي العراقي بعد اللقاء التفاوضي الذي جمع محافظ البنك المركزي العراقي علي محسن إسماعيل في تركيا، يوم الجمعة (3 شباط 2023)، مع مساعد وزير الخزانة الأميركية براين نيلسون والوفد المرافق له وبحثا تحقيق استقرار سعر الصرف في العراق والآليات المرتبطة بذلك.
وبحسب بيان للبنك المركزي، فأن "وزارة الخزانة الأميركية أكدت دعمها لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في العراق في إشارة إلى تعزيز ما تم بحثه بين رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني والرئيس الأميركي جو بايدن في الاتصال الهاتفي الذي جرى بينهما يوم الخميس في التأكيد على أهمية استقرار العراق للمنطقة".
وتابع، أن "وزارة الخزانة الأميركية أبدت استعدادها للمرونة اللازمة لتحقيق الأهداف المشتركة"، مبينا، أنه "جرى الاتفاق على مواصلة التنسيق والتعاون خلال الاجتماعات المزمع عقدها في العاصمة واشنطن قبل منتصف الشهر الجاري".

اتصال السوداني وبايدن

وسبق اجتماع البنك المركزي العراقي مع وزارة الخزانة الامريكية، اتصال هاتفي تلقاه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من الرئيس الامريكي جو بايدن، جرى خلاله الاتفاق على تحقيق الاستقرار الامني والاقتصادي في العراق.
وجاء اتصال بايدن بعد الكشف عن زيارة مرتقبة سيجريها السوداني الى واشنطن خلال الاسبوع المقبل عقب جولة اجراها لدول عربية واوروبية.
وجرى خلال الاتصال بحسب بيان حكومي، "تأكيد الرئيس الامريكي دعمه الثابت لعراق مستقر وآمن وذي سيادة، وتعاون البلدين الموسّع بموجب اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق"، معرباً عن "رغبته في دعم رؤية رئيس الوزراء السوداني لمستقبل أكثر ازدهاراً للشعب العراقي".
وتابع البيان أن "الرئيس الأميركي رحب بزيارة نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية فؤاد حسين إلى واشنطن الأسبوع المقبل والتي ستُركز محادثاتها على الفرص الاقتصادية والتعاون في مجال الطاقة والمناخ".
ولفت الى أن"رئيس مجلس الوزراء والرئيس الأمريكي اتفقا على أن استقرار المنطقة يعتمد على استقرار العراق، وأنه لا يجوز استخدام العراق منطلقاً لمهاجمة جيرانه أو نقاط تواجد مستشاري التحالف الدولي ضد الإرهاب المتواجدين في البلاد بدعوة من الحكومة، وتم الاتفاق على البقاء بتواصل دائم في الأشهر المقبلة لتعزيز العلاقات الثنائية الوثيقة".
وأوضح ان "العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين انضم إلى رئيس مجلس الوزراء والرئيس الأمريكي في الاتصال واتفق الزعماء الثلاثة على العمل معاً من أجل عراق ومنطقة تنعم بالسلام، بما في ذلك مشاريع ملموسة لربط المنطقة وتكاملها لتعزيز الازدهار للجميع وإدامة العلاقات الأخوية المتينة".

توسط واشنطن لتخفيف العقوبات

ويرجح مراقبون للشأن السياسي ان يكون السوداني قد قدم ضمانات للرئيس الامريكي بشأن وقف عمليات التهريب مقابل ذلك تخفيف واشنطن عقوباتها المفروضة على بعض المصارف العراقية.
ويقول المحلل السياسي احمد المياحي في تصريح لـ "المطلع"، ان "اتصال بايدن اولى ثمار زيارة السوداني الى كل من المانيا وفرنسا والعمل بشكل براغماتي مع دول اساسية في الاتحاد الاوربي".
واضاف المياحي ان "تلك الزيارات هي محاولة حقيقية لبناء علاقات متينة اقتصادية وسياسية بعيدا عن محور الاقليم وتداعياته الاقتصادية المتدهورة وهي رسالة استلمها بايدن من ماكرون الذي يبذل جهدا استثنائيا لعودة الشركات الفرنسية الى العراق".
وتابع ان "السوداني طلب التوسط لدى الادارة الامريكية لكي يحصل على دعم للحكومة العراقية وتخفيف اجراءات الفيدرالي الامريكي مع ضمانات بوقف التهريب المتعمد للدولار لدول تقع تحت طائلة العقوبات الامريكية وعلى راسها ايران وتركيا وروسيا".

ضمانات عراقية لوقف التهريب

واوضح المياحي ان "اولى الاجراءت العراقية ضد التهريب هي حملة الاعتقالات التي تمت في سوق البورصة في بغداد وهم مجموعة من المضاربين الذين يعبثون بالامن الاقتصادي العراقي"، مبينا ان "هذه الرسالة كانت مؤثرة جدا واعطت اريحية لدى الامريكان ما خفف من لهجة الفريق المفاوض الفدرالي في تركيا مع المفاوض العراقي".
يشار الى ان جهاز المخابرات الوطني قد اعلن، امس الجمعة (3 شباط 2023)، عن ضبط مبلغ يزيد عن مليون دولار حاولت "جماعات الجريمة المنظمة" تهريبه الى الخارج العراق، كما اشارت مصادر امنية الى ان "العصابة تم القبض عليها في محافظة ديالى".
وبين المياحي ان "اطمئنان بايدن بأن اجراءات السوداني تهدف بشكل جدي لأجراء اصلاحات على المنظومة الاقتصادية والحد من الفساد اجبره على الاتصال برئيس مجلس الوزراء العراقي".
واردف ان "سبب اتصال بايدن بهذا التوقيت بالتحديد هو الخسائر التي تتكبدها الادارة الامريكية والاتحاد الاوربي في الحرب الاوكرانية وارتفاع اسعار النفط عالميا يجعل من العراق هو البديل المثالي لسد النقص الحاصل في امدادات الطاقة ورغبة دولية لتثبت الهدوء في العراق لكي تفتح الطريق للشركات الكبرى في مجال عزل الغاز وانتاج الطاقة الكهربائية والبنى التحية".

الحفاظ على الحلف مع العراق

ويرى الباحث في الشأن السياسي والدولي حيدر سلمان، مساع الولايات المتحدة الحفاظ على حلفها مع العراق خاصة بعد تقلص نفوذها في منطقة الشرق الاوسط.
وقال سلمان في حديثه لـ "المطلع"، ان "اتصال بايدن في ظل الظروف التي تعيشها الولايات المتحدة وانشغالها بالحرب في الشرق الاوروبي لا يمكن ان يكون اتصالا عاديا ان لم تكن هناك حاجة ماسة او بحث مواضيع مهمة".
واشار الى ان "نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة بدأ يتقلص خاصة مع ذهاب بعض دول الخليج الى الصين وفتح تعاون اقتصادي معها لذلك واشنطن تحاول الحفاظ على العراق كمكان لنفوذها في الشرق الاوسط".
واضاف ان "واشنطن تحاول السيطرة على حركة الدولار في العراق عبر تطبيق النظام المالي الجديد ومنع تهريب العملة الى الدول التي تواجه عقوبات امريكية وخاصة ايران وسوريا وحتى تركيا".