بغداد جزء من "الإمبراطورية العثمانية".. الكشف عن الأسباب السرية خلف زيارة اردوغان للعراق ولقاءه القادة السنة
لكن زيارة اردوغان الى بغداد، لم تبتعد كثيرا عن الجدل المستمر حول الدور الذي تحاول انقرة لعبه في العراق بالتنافس مع كل من الولايات المتحدة وايران والنفوذ الذي يملكه البلدين على العراق، ومع تراجع النفوذ الأمريكي نتيجة للمشاكل التي تواجهها الولايات المتحدة في حرب إسرائيل على غزة وحرب روسيا على أوكرانيا، بدا اردوغان بحسب شبكة فويس اوف أمريكا، ساعيا الى ان يصبح "قبة الميزان" للمكون السني العراقي، من خلال تقديم نفسه كــ "مرجع سياسي للسنة" في محاولة لمحاكاة الدور الذي تلعبه ايران بتعاونها مع الأحزاب السياسية الشيعية بحسب الشبكة.
اردوغان ومحاولاته إقامة نفوذ دائم داخل العراق، سعى الى استخدام المكونين السني والتركماني كورقة ضغط على بغداد، بالإضافة الى استخدام المشاريع الاقتصادية واهمها مشروع طريق التنمية، للضغط على بغداد لاتخاذ موقف "معادي" لحزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا والنشط داخل العراق، امر قالت الشبكة ان اردوغان "فشل" في تحقيقه.
تحركات اردوغان داخل العراق اثارت جدلا وصلت اصداءه الى العاصمة الامريكية واشنطن، خصوصا بعد اقامته اجتماعات مع ممثلي المكونين السني والتركماني، تبعه بتغريدة وصف خلالها العاصمة بغداد بانها "أحد مدن امبراطوريتنا العظيمة"، قبل ان تعلن وكالة رويترز الدولية، ان اردوغان ونتيجة لما يبدوا زيارته الى العراق، قرر "تأجيل" زيارة أخرى كان من المقرر ان يقوم بها في التاسع من مايو القادم الى واشنطن، لأمد غير معلوم.
اتفاقيات علنية و"مطامح" سرية.. هذا ما اتى لاجله اردوغان
صحيفة الدايلي صباح التركية وشبكة فويس اوف أمريكا، أعلنت عن "سعادة" اردوغان بتحقيقه ما قال انه "نقلة نوعية واستراتيجية " في العلاقات بين البلدين من خلال توقيع ست وعشرين اتفاقية مشتركة، تتباين بين الاقتصاد، السياسة والتعاون العسكري، لكن اردوغان وبحسب وصف فويس اوف أمريكا، اخفى "خيبة امل" أصيب بها نتيجة لــ "فشله" في تحقيق بعض الأهداف السرية التي اتى الى بغداد من اجلها.
الشبكة اكدت، ان الهدف الرئيس من زيارة اردوغان هو ليس عقد اتفاقيات مع الحكومة العراقية لتحسين العلاقات بين الطرفين، بل اجبار بغداد على اعلان حزب العمال الكردستاني "منظمة إرهابية" بالإضافة الى "إقامة نفوذ واسع داخل العراق ينافس النفوذ الإيراني والامريكي".
مساعي اردوغان لاجبار بغداد على مكافحة حزب العمال، لم تفضي الى نتيجة بحسب تصريحات الباحث في مركز الامارات والمستشار السابق لحكومة كردستان العراق سردار عزيز، والذي اكد ان اردوغان "على ما يبدوا فشل في اقناع بغداد بمكافحة حزب العمال واعتباره رسميا منظمة إرهابية"، عازيا الأسباب الى رفض الحكومة العراقية الدخول في صراع مع الحزب الذي لا يمثل تحديا للعراق ويستهدف بشكل رئيس تركيا وتواجدها العسكري في العراق والذي يثير قلق الحكومة العراقية بدوره.
اما فيما يتعلق بمساعي اردوغان لتوسعة نفوذ تركيا في العراق، فقد اكدت الشبكة ان تلك المساعي "لن تتحقق" على الغالب نتيجة لرفض طهران دخول عضو في حلف الناتو كلاعب أساسي في العراق يؤثر على سياسته، بالإضافة الى عوامل أخرى تتعلق بالادوات التي حاول اردوغان استخدامها، ولم تفضي الى النتيجة المرجية.
شبكة الدي دبليو الألمانية، اكدت أيضا ان اردوغان، حاول استخدام ملف طريق التنمية وحاجة العراق الى استثمار اجنبي بقيمة سبعة عشر مليار دولار امريكي لتحقيقه، كورقة ضغط على بغداد لدفعها نحو معاداة حزب العمال، مؤكدة، ان الخلافات بين بغداد وانقرة والتي تعود الى أعوام خصوصا بعد شن تركيا عمليات عسكرية داخل سوريا والعراق، لم يتم حلها بشكل نهائي حتى مع زيارة اردوغان الأخيرة، الامر الذي جعل من تلك الورقة غير ضاغطة بما يكفي لحث بغداد على استهداف الحزب التركي المعارض.
وتابعت "على الرغم من تقرب بغداد نحو انقرة من خلال اعلان حظر عمل حزب العمال، الا ان الواقع يقول بان الحكومة العراقية لا يبدوا وانها ستتخذ خطوات اكثر للتقرب من تركيا مثل اعلان الحزب منظمة إرهابية"، امر يبدوا ان تركيا ما تزال غير مقتنعة به بحسب الشبكة، التي اكدت نقلا عن الباحث التركي في مركز الشرق الأوسط بيلغي دومان، الذي اعتبر ان زيارة اردوغان هي "اعظم انجاز استراتيجي" حققته حكومة تركيا فيما يتعلق بالملف العراقي ومنه ملف حزب العمال.
اردوغان والسنة والتركمان.. قبة الميزان التي لم تتحقق
الصحف التركية، وفي اطار حديثها عن زيارة اردوغان، اكتفت بالاحتفاء بالزيارة وتوقيع الست وعشرين اتفاقية، دون ان تشير الى الاجتماعات التي عقدها مع القادة السنة والتركمان داخل البلاد كصحيفة الدايلي صباح، او اكتفت بالإشارة اليها فقط كجزء من الأعراف كما فعلت صحيفة يني شافاق، متجاهلة المنشور الذي اطلقه اردوغان عبر منصة اكس (تويتر سابقا) والذي أشار الى العاصمة بغداد كجزء من "امبراطوريتنا" في إشارة الى الإمبراطورية العثمانية.
فويس اوف أمريكا، اكدت ان العراقيين "تفاجئوا" من صور اردوغان وهو مجتمع مع قادة المكون السني في العراق بطريقة قدمته بشكل "مرجع سياسي" لهم، بالإضافة الى المقابلات التي عقدها مع قادة المكون التركماني والتي تبعها بمطالبات قدمها لرئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، طلب خلالها "زيادة" تمثيلهم السياسي في النظام الحالي.
محاولة اردوغان تقديم نفسه كــ "قبة الميزان للسنة والتركمان"، فشلت بحسب الشبكة، التي قالت ان "الخلافات الداخلية بين القادة السنة وفقدانهم منصب رئيس البرلمان بالإضافة الى عدم قدرتهم على اختيار بديل مناسب، جعلت من مساعي اردوغان لاستخدام المكون السني كورقة ضغط سياسي وتقديم نفسه كمرجع لهم، غير مجدية".
وتابعت نقلا عن محللين "ان القادة السياسيين للمكون السني في العراق، ما يزالون مشوشين بين تركيا، السعودية، قطر، الامارات وحتى الأردن، ولا يوجد بينهم اتفاق على اختيار احد تلك البلدان كداعم أساسي لحراكهم السياسي في العراق والذي أدى بدوره الى فشلهم في اختيار بديل عن رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي".
على الجانب الاخر، اكدت الشبكة أيضا ان ايران، لن تسمح لتركيا بان تكون "لاعبا أساسيا" في العملية السياسية العراقية، على الرغم من "موافقتها الجزئية على تنفيذ انقرة عمليات عسكرية داخل العراق لما من ذلك من فوائد لإيران تساعدها في توسعة نفوذها داخل البلاد"، على حد وصفها، مشددة "ايران ستسمح لتركيا بلعب دور معين داخل العراق لكنها لن تسمح لها بان تكون منافسا رئيسيا".
فشل مساعي اردوغان غير المعلنة بالتحول الى مرجع سياسي للمكون السني والتركماني بالإضافة الى دفع بغداد نحو معاداة حزب العمال وعدم تمكنه من خلق نفوذ تركي كبير داخل العراق ينافس النفوذ الإيراني، أدى الى اعتبار زيارته الى بغداد "غير ناجحة" في أهدافها غير المعلنة، على الرغم من احتفاء انقرة بالاتفاقيات التي وقعتها، والتي قالت الشبكة انها "لن تكون ذات قيمة فعلية نظرا لكون المتبقي من عمر حكومة السوداني عام واحد فقط، ولا يتوقع ان يحظى بولاية ثانية تؤهله لتنفيذ الاتفاقيات التي وقعها مع تركيا"، بحسب قولها.
بغداد "جزء من امبراطوريتنا".. تصريحات اردوغان و"تاجيله" زيارة واشنطن جزء من "غضبه"
المنطلقات التي بنى عليها اردوغان محاولاته في العراق بعد غياب استمر ثلاثة عشر عاما، لخصتها صحيفة الدايلي صباح التركية التي تحدثت في احد تقاريرها التي نشرت في الخامس والعشرين من ابريل، عن "انسحاب مرتقب" للقوات الامريكية من العراق، مشيرة الى ان تركيا تتوقع ان يخلف انسحاب الولايات المتحدة من العراق فراغا في الدعم المقدم الى المكون السني، الامر الذي رات فيه إمكانية لتقديم نفسها للمكون السني بديلا عن واشنطن.
اردوغان وبحسب وكالة نورنيوز الإيرانية، اطلق منشوره على موقع التواصل الاجتماعي اكس (تويتر سابقا) عقب مغادرته بغداد، في محاولة للإشارة الى باقي اللاعبين في العراق، وخصوصا ايران والخليج، ان العراق هو "حصة" تركيا كونه جزء مهم من امبراطوريتها السابقة، الامر الذي اثار الراي العام المحلي والإقليمي ضد اردوغان بحسب وصفها.
التبعات المباشرة لفشل اردوغان في تنفيذ أهدافه غير المعلنة من زيارته الى العراق، ظهرت أيضا على رد فعله المباشر، حيث اكدت وكالة رويترز في السادس والعشرين من ابريل، ونقلا عن مصدر داخل الحكومة التركي، ارجاء اردوغان زيارته التي كان من المقرر ان يقوم بها في التاسع من مايو، الى "اجل غير مسمى"، نتيجة لاسباب لم يذكرها.
الوكالة اشارت الى ان بعض مخرجات زيارته الى بغداد قد تكون خلف قراره تأجيل الزيارة الى العاصمة الامريكية، الامر الذي يشير الى ان خطط اردوغان لما أراد تحقيقه من خلال زيارة العراق ثم الذهاب بذلك الى واشنطن، لم تتحقق كما كان يرغب، واضطر الى العودة الى انقرة حيث ارجئ زيارته الى اجل غير معلن.
حتى اللحظة، ما تزال تركيا تحاول تمرير اجندتها في العراق لكن بطرق جديدة بعد استهلاك الأساليب السابقة مثل حرمان البلاد من حصصها المائية والمعرقلات التي وضعتها امام بغداد لايقاف تصدير أربيل للنفط دون موافقتها حتى حصول العراق على قرار دولي ملزم، لتنتهج الان طريقة اكثر دبلوماسية وسياسية لتحقيق تلك الطموحات، والتي لم تفض الى النتيجة المطلوبة أيضا بحسب ما كشفت عنه وسائل الاعلام الأجنبية.