بين التهديد والمراضاة.. جهود أمريكا في المنطقة "فشلت" و دورها اصبح "مهددا" بسبب نهج إسرائيل
تلك الدعوات التي انتقلت الى مرحلة جديدة وغير مسبوقة من الخطر مع وصول غواصة نووية أمريكية الى المنطقة العربية بالتزامن مع صدور تصريحات من وزير إسرائيلي باستخدام "القنابل النووية" ضد قطاع غزة المحاصر، دفعت العديد من المؤيدين لسياسة الرئيس الأمريكي جو بايدن الداعمة كليا لإسرائيل، الى إعادة النظر بالموقف الحالي، مشددين على ان التحركات الامريكية في المنطقة باتت تمثل "خطرا" يهدد بحرب مفتوحة في المنطقة تاتي تبعاتها السلبية على الأمريكيين والدول الاوربية بشكل كبير بحسب ما أوضحت صحيفة ذا ايكونمست الامريكية.
منذ السابع من أكتوبر الماضي، وانطلاق عملية طوفان الأقصى التي شنتها حركة حماس ضد إسرائيل، ظهرت العديد من التصريحات السياسية التي اتهمت ايران بالوقوف وراء الهجوم، امر نفته الحكومتين الامريكية والإسرائيلية، بالإضافة الى الإيرانية، التي أعلنت دعمها لحركة حماس مؤكدة ان الخطة التي نفذتها الحركة كانت "بتخطيط وتنفيذ فلسطيني بالكامل"، لتقطع الطريق امام دعوات من وصفتهم الايكونمست بــ "صقور الحرب" داخل الإدارة الامريكية لمهاجمة ايران عسكريا، امر عاد الى الواجهة مرة أخرى مع الكشف عن عدم قدرة إدارة بايدن على شن حرب فعلية ضد ايران في الوقت الحالي.
الإدارة الامريكية والتي اطلقت وعبر وزير خارجيتها انتوني بلينكن، حملة "دبلوماسية" لمحاولة "احتواء تبعات العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة على المنطقة"، بحسب وصف صحيفة الدايلي جورنال، وجدت نفسها تتعرض هي أيضا الى "عمليات استهداف ممنهجة" من قبل فصائل مسلحة وصفتها الصحيفة بــ "المرتبطة بايران" داخل العراق وسوريا، لتطلق الإدارة الامريكية موجة من "التهديدات" ضد ايران، بهدف منعها من استهداف قواعدها في البلدين، امر اكد مسؤولين أمريكيين تحدثوا لشبكة ايران انترناشونال المقربة من واشنطن "فشلها" في تحقيقه رغم زيارة بلينكن المفاجئة الى العراق.
ايران "تفوقت" على أمريكا.. شبكة قوات اقليمية تهدد واشنطن وإسرائيل
وسائل الاعلام الأجنبية وخصوصا الامريكية، وعند الحديث عن ميزان القوى الحالي مع تصاعد دعوات "صقور الحرب" الأمريكيين مثل السيناتور الأمريكي جون كيندي ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي مايكل مكول واخرين مثل ماركو روبيو وجيم ريتش، للتحرك عسكريا ضد ايران، اكدت ان الإدارة الامريكية وجدت نفسها الان امام "عدو قوي" بشكل لا تستطيع معه تحميله المسؤولية بشكل مباشر والتذرع بتحركات اذرعه داخل المنطقة التي تهاجم المعسكرات والقواعد الامريكية، بحسب وصف صحيفة ذا غلوبال هيرالد.
الصحيفة اكدت، ان ايران تمكنت خلال السنوات الماضية من انشاء "شبكة واسعة" من الفصائل المسلحة العاملة في الدول المحيطة بإسرائيل وباتت الان "تحاصرها" بالكامل، موضحة، ان إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على علم بان أي تحرك ضد ايران سيؤدي الى "توجيه حرب مباشرة" ضد إسرائيل، التي باتت في وضع "ضعف" الان بحسب وصفها، مفسرة التحركات الدبلوماسية الامريكية الأخيرة والتهديدات التي اطلقتها ضد ايران بانها "محاولة ردع" لتفادي سيناريو تجد فيه الولايات المتحدة نفسها في حال حرب لا تستطيع "خوضها" بشكل مباشر ضد ايران، ولا يمكن لها مع تلك الأوضاع، حماية إسرائيل من توجيه الفصائل المسلحة المنتشرة حولها ضربات قوية ضدها.
الإدارة الامريكية بحسب الصحيفة، باتت تحاول الان "احتواء الازمة" والحرص على "عدم توسع الصراع نحو حرب إقليمية" قد تجد نفسها معها مضطرة للتعامل مع "تدخل إيراني مباشر" في الصراع في حال استمر النظام الإسرائيلي بتنفيذ "عملياته العسكرية المثيرة للجدل ضد قطاع غزة المحاصر"، موضحة، ان الضغط الشعبي وتصاعد حدة العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد سكان غزة، سيؤدي في النهاية الى تدخل إيراني مباشر في الحرب، لا تستطيع الولايات المتحدة "مواجهتها عبره عسكريا"، بحسب وصفها.
تقرير الصحيفة اكد أيضا، ان المصالح الامريكية حاليا، معرضة للخطر تحت الوضع الحالي، في إشارة الى تدهور علاقاتها مع الخليج وعمليات الاستهداف المستمرة التي تتعرض لها قواعدها في العراق وسوريا، امر سيتفاقم بشكل كبير فيما اذا استمر التدهور الحالي خصوصا مع الاخذ بنظر الاعتبار تبدل مواقف الدول الحليفة للولايات المتحدة واهمها السعودية، والتي انتقلت من العداء ضد ايران، الى تطبيع علاقاتها معها، والدخول في علاقات جديدة مع الصين، بالإضافة الى الاتفاق العربي المقاد سعوديا مع ايران على قضية غزة وتحجيم التحركات الإسرائيلية التي باتت تتفاقم حدتها في المنطقة.
الولايات المتحدة أصبحت الان على "علم كامل" بحسب الصحيفة، بضعف موقفها في المنطقة سواء على الصعيد السياسي او العسكري مع وصول قوات صينية اليها كما كشفت المطلع في تقرير سابق، بالإضافة الى الانقلاب في الموقف التركي، احد اهم أعضاء حلف الناتو في المنطقة، والتي حمل رئيسها رجب طيب اردوغان، الولايات المتحدة المسؤولية الكاملة والمباشرة عن "الجرائم" التي يرتكبها النظام الإسرائيلي ضد سكان غزة.
صحيفة ذا انسايدر اكدت في السادس عشر من أكتوبر "تراجع" النفوذ الدبلوماسي والسياسي الأمريكي في المنطقة الى "مستوى غير مسبوق" خصوصا مع الحلفاء الخليجيين، مؤكدة، ان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، رفض استقبال وزير الخارجية الامريكية انتوني بلينكن خلال زيارته الرياض، الامر الذي استمر لساعات طويلة حتى إقناعه بالعدول عن رايه، موضحة، ان المقابلات التي اجراها بلينكن مع المسؤولين العرب ومنهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كانت اشبه بــ "القاء محاضرات منهم على مسامعه حول الفشل الأمريكي وموقفهم منه"، بحسب وصفها.
ذا غلوبال هيرالد اكدت ان تراجع العلاقات بين دول المنطقة وخصوصا الخليجية مع الولايات المتحدة، وتحسنها بالمقابل مع ايران، يمثل "زيادة في القوة لصالح طهران في ميزان القوى الحالية في المنطقة"، مؤكدة انها باتت الان تمثل موقفا موحدا من دول المنطقة ضد الدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل وتهدد مصالحها، ليس فقط على الصعيد الدبلوماسي، بل العسكري أيضا من خلال شبكة الفصائل التي تملكها عبر المنطقة.
لا خيار امام واشنطن سواه.. جولة بلينكن وجهوده الدبلوماسية في المنطقة لم تؤدي الى النتيجة المرغوبة
ضعف موقف الولايات المتحدة الحالي بالمقارنة مع ايران وإصرار إسرائيل على الاستمرار بنهجها الحالي في الحرب التي تشنها ضد قطاع غزة، ترك الولايات المتحدة امام خيار واحد فقط لمحاولة احتواء الازمة، وهو الخيار "الدبلوماسي"، بحسب وصف صحيفة الدايلي جورنال، والتي اكدت ان بلينكن اطلق جولته بزيارة غير معلنة الى العراق، الذي قالت انه وضع على راس القائمة لما يمثله من أهمية لتامين المصالح الامريكية، بحسب وصفها.
الدايلي جورنال اكدت أيضا ان من الأسباب التي دعت بلينكن لوضع العراق على قائمة أولوياته ضمن الجهود الدبلوماسية لاحتواء الازمة الحالية، هو تعرض القوات الامريكية الى هجمات مستمرة داخل العراق أدت الى إصابة نحو 28 جندي امريكي خلال أسبوعين فقط، بالإضافة الى قيام وفد من حماس بالاجتماع بقيادات الفصائل العراقية بحسب ما اكدت ذا ناشيونال نيوز في تقرير نشرته في الثلاثين من أكتوبر الماضي.
الولايات المتحدة بحسب الصحيفة، باتت قلقة من ان يقوم وفد حماس بــ "تنسيق" هجمات تنفذها الفصائل داخل العراق تستهدف القوات الامريكية بالإضافة الى مصالحها في البلاد، حيث اكدت الدايلي جورنال، ان بلينكن، حصل على "تطمينات" من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بتامين المصالح الامريكية.
حكومة الولايات المتحدة، وبحسب رويترز، وجدت في العراق المركز الأول والاهم في "تنسيق" جهودها الدبلوماسية التي وصفتها بــ "السبيل الوحيد" امام الإدارة الامريكية لتفادي توسع الصراع في غزة الى مناطق أخرى، مؤكدة ان وجود الفصائل وقربها من مصالح واشنطن وضع العراق على قائمة أولوياتها.
وعلى الرغم من ان الجهود الدبلوماسية الامريكية مثلت "السبيل الوحيد" المتاح لها حاليا بحسب الدايلي جورنال لاحتواء الازمة، الا انها لا تبدوا مثمرة، حيث أعلنت الاسوشيتد برس، ان التهديدات ضد الولايات المتحدة لدعمها إسرائيل بالإضافة الى التهديدات ضد إسرائيل نتيجة لعملياتها العسكرية في غزة "استمرت بالتصاعد" بشكل غير مسبوق، مع توجه قادة دول المنطقة نحو تقليل العلاقات مع واشنطن رفضا لدعمها المفتوح للنظام الإسرائيلي.
تصاعد تلك التهديدات والتي لم تتوقف فقط عند إسرائيل بل تعدته الى الولايات المتحدة أيضا، مثل "فشلا ذريعا" للجهود الدبلوماسية الامريكية بحسب وصف الاسوشيتد برس، امر أكدته أيضا صحيفة ذا ايكونمست التي قالت في الخامس من نوفمبر، ان المعركة في غزة "عمقت" من الدور الإيراني في المنطقة، واصفة ذلك بــ "كابوس بايدن"، بحسب وصفها، مشددة ان الدور الصيني والروسي شهد "تعمقا اخر" في المنطقة بالتعاون مع ايران، الامر الذي يمثل "خطرا غير مسبوق" على المصالح الامريكية في الشرق الأوسط.
التهديدات الامريكية لإيران "فشلت".. الحظ هو الحماية الوحيدة للامريكيين
فشل الجهود الامريكية الدبلوماسية في احتواء الأزمة أولا ومنع توسعها، وثانيا في حماية مصالحها في المنطقة من استهداف الجهات المؤيدة للقضية الفلسطينية، تبعه فشل اخر مثل خطورة "غير مسبوقة" على المصالح والدور الامريكية في المنطقة، حيث كشفت وكالة ايران انترناشونال المعارضة لإيران والمقربة من واشنطن في تقرير نشرته في الحادي عشر من الشهر الحالي، ان "التهديدات" التي اطلقها بايدن ضد ايران، وحذرها من التدخل في الصراع الحالي داخل غزة او استهداف القواعد الامريكية في العراق "فشلت بشكل ذريع وأثبتت عدم فاعليتها".
مسؤولين أمريكيين اكدوا للوكالة دون الكشف عن هويتهم، ان الهجمات التي تطلقها الفصائل المسلحة في العراق ضد القوات الامريكية "استمرت وتصاعدت" على الرغم من تهديدات بايدن والتي تضمنت تاكيد نيته شن "هجمات مضادة" على المواقع التي تنطلق منها الهجمات ضد القواعد الامريكية داخل العراق وسوريا.
المسؤولين اكدوا للوكالة أيضا ان الضربات التي تستهدف القوات الامريكية في العراق والتي تجاوزت الثلاثين ضربة حتى ساعة اعداد هذا التقرير أدت الى إصابة نحو 45 جنديا امريكيا، بحسب تصريحات سابقة للبنتاغون الأمريكي أوردتها شبكة أي بي سي الامريكية،، كانت "ناجحة بشكل كبير" في اختراق الدفاعات الجوية الامريكية والوصول الى الأهداف، مشددين "حتى الان لم يقتل أي جندي امريكي نتيجة لتلك الهجمات، الحظ هو الحاجز الوحيد الذي منع وقوع قتلى بين صفوف القوات حتى الان"، بحسب وصفهم.
المقابلات التي أجرتها الوكالة مع المسؤولين الأمريكيين كشفت أيضا "قلقا كبيرا" لدى البنتاغون الأمريكي من وقوع قتلى قريبا، مؤكدين لها "الجنود يمكثون في الثكنات المحصنة معظم اليوم، ويوما ما هؤلاء سيحالفهم الحظ وسيصيبون بأحد طائراتهم المسيرة أهدافهم ويقتلون الكثير من الجنود".
السياسة الامريكية التي هدد بها بايدن، والتي تتضمن استهداف المواقع التي تنطلق منها الهجمات، فشلت أيضا في تحقيق النتيجة المرجوة، حيث اكد المسؤولين للوكالة ان القوات الامريكية والتي تقوم بطلعات جوية لاستهداف المواقع التي انطلقت منها الصواريخ والطائرات المسيرة، نجحت حتى الان في تدمير "خيم خالية"، موضحين ان المهاجمين يغادرون الموقع بعد تنفيذ الهجمات قبل تمكن القوات الامريكية من الرد عليهم، الامر الذي جعل من سياسة بايدن بالرد على مواقع الهجمات "غير فعالة أيضا"، بحسب وصفهم.
تقارير وسائل الاعلام الأجنبية حول سياسة إدارة بايدن الحالية في احتواء تبعات الازمة في فلسطين على مصالحها في المنطقة، اكدت ان الولايات المتحدة، لم "تفشل فقط في اجبار الأطراف المتورطة على التراجع، بل فشلت أيضا في اقناع قادة المنطقة بالعدول عن مواقفهم الحالية واتخاذ جانب إسرائيل"، الامر الذي خلصت الى انه وضع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط في "مرحلة حرجة" وساهم بزيادة "التهديدات ضد المصالح الامريكية في المنطقة الى مستويات غير مسبوقة".
في النهاية فان محاولة حكومة بايدن تفادي التبعات السلبية لدعمها المفتوح للنظام الإسرائيلي من خلال الجهود الدبلوماسية تارة، والتهديدات تارة أخرى، خلصت الى زيادة الضغط على واشنطن في المنطقة، خصوصا بعد تصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي قالت الدايلي جورنال انها سهمت بــ "صب النار على الوقود"، ومن أهمها مطالبة وزراء إسرائيليين بــ "ترحيل سكان غزة الى ايرلندا" والذي وصفته صحيفة الايريش تايمز الايرلندية بــ "جريمة ضد الإنسانية", و"استخدام الأسلحة النووية" ضد قطاع غزة بحسب ما أوردت هاريتز الإسرائيلية، لتجد الان إسرائيل والولايات المتحدة نفسها في "عزلة دولية تتنامى تاثيراتها عليها بشكل كبير" بحسب وصف الدايلي جورنال، التي اشارت الى موقف الأمم المتحدة الذي يزداد ادانة للنهج الإسرائيلي والأمريكي في المنطقة، محذرة من ان وقوع واشنطن في "عزلة دولية" نتيجة لدعمها المفتوح لإسرائيل بات "اقرب مما يتصور قادة البيض الأبيض"، خصوصا بعد فشل مساعيها الدبلوماسية لدى قادة المنطقة، وتهديداتها العسكرية ضد ايران.
كلمات مفتاحية
- امريكا
- الولايات المتحدة
- اسرائيل
- فلسطين
- غزة
- تل ابيب
- حماس
- ايران
- حزب الله
- بايدن
- الجيش الامريكي
- الجيش الاسرائيلي